|
|
| بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:13 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم ،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواني وأخواتي في الله /
نحن نعيش في زمن كثرت فيه الفتن نسأل الله السلامة والعافية , وأصبحنا نرى الفتن بكرة وعشياً
وعمَّ في زماننا من المحن والنوازل والخطوب الجسام والبلايا الشيء الكثير ولا حول ولا قوة إلا بالله
وكل ذلك يرجع بسبب ما آل إليه حال المسلمين من ضياع وشتات نظراً لبعدنا عن منهج الإسلام ، وتسلط الأمم الكافرة علينا ، وتفشي المنكرات في بلاد المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يجب علينا ؟َ!! وما نحن فاعلون ؟؟ وكيف نقي أنفسنا شر هذه الفتن والشدائد ؟!! وكيف نعصم أنفسنا أن ننجرف خلف التيارات والأهواء ؟!!!
بحثت كثيرا فوجدت لا مخرج لنا ولا نجاة للأمة من هذه الفتن التي حلت بنا إلا بالتسلح بالعلم الشرعي ، نعم بالاعتصام بالكتاب والسنة .. ولن يكون ذلك ولن يتم إلا بالالتفاف حــول العلـماء الربانين من أئمة أهل السنة والجماعة في وقتنا بحضور حلقهم العلمية ، وسماع دروسهم
فإنهم العون لنا بعد الله في هذه الفتن ، فلنلزمهم ونعيش في أكنافهم ، وإيانا والبعد عنهم فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية !!!!!
كانت هذه بعض الأسباب التي دفعتني إلى إخراج وطرح سلسلة شرح كتاب الفتن للإمام الشيخ محمد بن الوهاب الإمام المجدد رحمه الله , شرح فضيلة شيخنا العلامة عبد الرحمن البراك حفظه الله .
* * *تنبيهان مهمان * * *
التنبيه الأول :
أخواني وأخواتي في الله ، قد يكون الموضوع طويلاً نوعاً ما ، لكن لنجد ونجتهد ونحتسب ونصبر و نصابر ونرابط لفهمه وتطبيقه وتعلمه وتعليمه ونشره وذلك لأهميته في هذا الزمان ، نسأل الله لنا ولكم حسن القصد وحسن العمل.
التنبيه الثاني والأهم :
هناك منهج خاطئ يحلو للناس وهو تطبيق أحاديث الفتن على أوقات وأشخاص معينين !!
فتجد أنه تكثر في مجالس الناس والمنتديات مراجعة أحاديث الفتن ! وقولهم : قال
الرسول صلى الله عليه وسلم كذا وهذه هي الفتنة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم !!!
فيتكلفون تأويل النصوص الشرعية من أجل أن تطابق الواقع وهذا هو الخطأ بعينه ، وليس هذا من منهج أهل السنة والجماعة , بل إن أهل السنة والجماعة يذكرون أحاديث الفتن محذرين منها ومن القرب منها ، وحتى يظهر صدق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من حدوث الفتن .
فنحن لسنا متعبدين بتطبيق أحاديث الفتن على الواقع ، ولكن لندع الواقع هو الذي ينطق !! فإذا وقع الأمر قلنا : هذا ما وعدنا الله ورسوله .
هذا ونسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن،وأن يعصمنا من شرور المحن، ويميتنا على السنن.
عدل سابقا من قبل alyaqeen في الثلاثاء مارس 15, 2011 12:03 pm عدل 1 مرات | |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:14 am | |
| باب الفتن
حديث بادروا بالأعمال الصالحة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
قال -رحمه الله-: عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « بادروا بالأعمال الصالحة فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا »1 رواه مسلم.
--------------------------------------------------------------------------------
الكتاب عندكم معنون أم لا؟ أينعم يا شيخ -معنون ومبوب. تُرجم هذا المصنف بكتاب الفتن أخذا من مضمون الكتاب مما اشتمل عليه من الأحاديث، فهي أحاديث الفتن، يتبعها أشراط الساعة.
الحديث الأول عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « بادروا بالأعمال الصالحة فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا »1
الفتن جمع فتنة، وأصل الفتن قال أهل اللغة
: أصله الاختبار وإدخال الذهب في النار لتمييز جيده من رديئه وإزالة خبثه، هذا أصله، وصار هذا اللفظ يطلق على أشياء، وأكثر ما يطلق عليه معنى الاختبار والابتلاء الذي هو الاختبار، ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾2 يعنى ابتلينا، ابتلى الله المؤمنين بالكفار والكفار بالمؤمنين، وقال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾3 هو ابتلاء، ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾4 ابتلاء، وهذا كثير.
يطلق الابتلاء على الفتنة يراد بها التعذيب ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾5 فتنوهم: عذبوهم في ذات الله، ويطلق على ما يفضي، وكذلك قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾6 فيطلق الفتنة تطلق بمعنى التعذيب، وعلى ما يفضي إلى العذاب، وهي الكفر والمعاصي والشرك ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾7
جاء عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعلهم إذا ردوا بعض قوله أن يزيغ قلبه فيهلك، أو كما قال رحمه الله.
وقال -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾8 الشرك والكفر أشد من القتل.
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾9
المقصود أن هذا اللفظ يأتي على هذه الوجوه، وأيضا تُطلق الفتنة على أنواع ما يُبتلَى به الخلق، ومنها الحروب، ولا سيما الحروب التي لا يتميز فيها المحق من المبطل، مثل ما سيأتي في الحديث « إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي »10 فهذه الحروب العمياء التي لا يتميز فيها المحق من المبطل هي فتن من ناحية ما ينشأ عنها من مصائب وأضرار عظيمة، ومن جهة ما يحصل بسببها أيضا من الضلال لمن يستجيب لها ولدعاتها.
وكذلك الفتن المعنوية، فتن الشهوات وفتن الشبهات هي فتن من جهة أنها فيها ابتلاء، تعرض الإنسان لها ابتلاء، ومن جهة أنها تفتن من لا بصيرة له أو لا صبر له، تفتنه وتصرفه عن دينه، وتصده عن هدى الله.
هذه كلمة عامة عن مفهوم الفتن والفتنة، وهذا اللفظ كثير في القرآن وكذلك في السنة.
في هذا الحديث
يقول -صلى الله عليه وسلم-: « بادروا بالأعمال الصالحة فتنا »1
يعني سابقوا الفتن، بادروها، بادروا الفتن بالأعمال الصالحة، يعني اجتهدوا في الأعمال الصالحة قبل أن تنزل بكم تلك الفتن، بادر الهرم، بادر بالعمل الصالح الهرم أو الكبر، يعني سابق قبل أن تصير إلى الكبر والضعف والعجز، بادروا بالأعمال الصالحة فتنا، يعني اسبقوها، سابقوا إلى الأعمال قبل أن تنزل بكم هذه الفتن المدلهمة
« كقطع الليل المظلم »1 هذه الفتن واضح من وصفها بقولك « كقطع الليل المظلم »1 أنها فتن تصد وتعوق عن الأعمال الصالحة، وتصد عن سبيل الله، فتن مظلمة، شبهها الرسول بقطع الليل المظلم الشديد الظلمة السواد « كقطع الليل المظلم »1
يدخل في ذلك دعوات الباطل المختلفة من دعوات البدع ودعوات الكفر، وكذلك الدعوات إلى الحرام، والدعوات إلى البدع الاعتقادية والعملية، أو الدعوات إلى الفجور والمعاصي،
فما دام الإنسان في وقت العافية فينبغي له أن يبادر بالأعمال الصالحة قبل أن تنزل به هذه الفتن، وهذا يتضمن الخبر عما سيكون، وأنها ستكون فتنا، فالرسول يوصي أصحابه بالمبادرة بالأعمال الصالحة قبل تلك الفتن التي إما أن تعوق عن الأعمال الصالحة أو توجب ضلالا وانحرافا، إما أن تعوق، أقل ما يحصل أن تعوق، أو يحصل منها الضلال والانحراف.
بعد ما مات رسول الله -عليه الصلاة والسلام- جاءت أمور بدأت الفتنة بالردة، ردة كثير من العرب، هذه فتنة، ولكن الله دفعها بما وفَّق له خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسائر الصحابة لما وفقهم له من قتال المرتدين ودحر هذه الفتنة العظيمة، هذه محنة.
ولما استقر الأمر بعد هذه المصيبة وهذه القاصمة، استقر الأمر إلى ما شاء الله، ثم جاءت الفتنة التي لم تنطفئ الفتن بعدها، وهي قتل عثمان -رضي الله عنه- خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
كان عمر أيضا كما جاء في حديث حذيفة الطويل كان بابا، لما سأل عن الفتن قال: سألت عن الفتنة التي تموج كموج البحر، قال: بينك وبينها يا أمير المؤمنين باب، مغلق، قال: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: يكسر، قال: إذن لا، إذن لا يغلق، بعد مقتل عمر -رضي الله عنه- كانت الأمور دونما كان الأمر عليه، فأسلم العهود عهد الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر، بعد مقتل عمر استقر الأمر إلى ما شاء الله، ولكن بدأت البذور، بدأت بذور الفتن وظهرت بقتل الخليفة الراشد البار العابد عثمان -رضي الله عنه- وتتالت بعد ذلك الفتن، واقرءوا التأريخ.
الفتن، فتن النزاعات والحروب، نزاعات على الإمرة، على السلطة، الخروج، ولم يزل هذا الأمر متواصلا، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، فهذه الفتن متواصلة، « بادروا بالأعمال الصالحة فتنا كقطع الليل المظلم »1
هذا جانب من جوانب الفتن، أقول:
إن الفتن المضلة تشمل الفتن السياسية، والفتن العلمية الاعتقادية أو العملية، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، بسبب ما يتعرض له من الدعوات الباطلة، وما يُدعَى إليه.
والاعتصام بالعمل الصالح وملازمة العمل الصالح هو من أسباب العصمة من هذه الفتن، فمن استقام على دين الله في أوقات السلامة، في أوقات السلامة، كان ذلك سببا في عصمته من تلك الفتن الطارئة العارضة، والمعتصَم من جميع الفتن هو كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فبهما العصمة من الفتن، من كل الفتن، الاعتصام بكتاب الله وسنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- « باروا بالأعمال الصالحة فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا، يبيع دينه بعرض من الدنيا »1
إذن من أسباب الضلال والافتتان هو إيثار الدنيا على الآخرة، يمكن مثلا دعوات الإلحاد مما تقوم عليه الإغراءات، الإغراء بالمال، فالدعوات الباطلة -سواء دعوات الكفر والإلحاد والنصرانية مثلا أو غيرها من ملل الكفر ومن مذاهب الكفر- أحيانا تقوم على الإغراء بالمال، فقد يكفر الإنسان إيثارا للدنيا، ومن أجل الدنيا،
وهذا قد وقع ويقع قديما وحديثا « يبيع دينه بعرض من أعراض الدنيا »1 إما أن يبيع دينه، يعني ينسلخ ويقبل يرتد عن الإسلام من أجل منصب، من أجل مال يُعطى إياه ويدفع إليه، من أجل وعود، وإما أن يتنازل عن شيء من دينه، يبيع دينه بعرض من الدنيا، وهذا من أخطر ما يكون، فنسأل الله لنا ولكم الثبات. نعم.
1 : مسلم : الإيمان (118) , والترمذي : الفتن (2195) , وأحمد (2/303). 2 : سورة الأنعام (سورة رقم: 6)، آية رقم:53 3 : سورة الأنبياء (سورة رقم: 21)، آية رقم:35 4 : سورة التغابن (سورة رقم: 64)، آية رقم:15 5 : سورة البروج (سورة رقم: 85)، آية رقم:10 6 : سورة الذاريات (سورة رقم: 51)، آية رقم:10 - 14 7 : سورة النور (سورة رقم: 24)، آية رقم:63 8 : سورة البقرة (سورة رقم: 2)، آية رقم:191 9 : سورة البقرة (سورة رقم: 2)، آية رقم:217 10 : البخاري : المناقب (3602) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2886) , وأحمد (2/282).
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:15 am | |
| حديث ويل للعرب من شر قد اقترب
وعن البخاري عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوما فزعا محمرا وجهه يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث »1
--------------------------------------------------------------------------------
زينب بنت جحش أم المؤمنين -رضي الله عنها- تذكر أنه -عليه الصلاة والسلام- دخل عليها، أو خرج ودخل عليها،
وفي بعض الروايات أنه استيقظ محمر الوجه وهو يبدو عليه
التأثر ويقول: « لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب »2
ويل، هذا تعبير عن الخطر المتوقع،
ويل للعرب من شر قد اقترب، لعله أُوحي إليه أو رأى في منامه ما يدل على هذا،
وفسر بقوله: « فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بين إصبعيه السبابة والتي تليها »3 يعني الإبهام، فُتح: يعني الشيء اليسير، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج، وفُسر هذا الردم بالسد الذي أقامه ذو القرنين كما جاء القرآن، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، ووصفه بالفعل.
ويأجوج ومأجوج ذكرهم الله في القرآن: ﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ﴾ 4 وجاء ذكرهم في قصة ذي القرنين، يعني أمم عظيمة من البشر أشرار مفسدون ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾5 الآيات.
وهذا يدل على أن في خروجهم شرا على البشرية على الناس، « ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج »6
جعل فتحَ هذا المقدار أو حصول هذا المقدار في ردم يأجوج ومأجوج اقترابا للشر.
والاقتراب وقُرب الشيء أمر نسبي لا يمكن في مثل هذه الأمور، لا يمكن أن يقدر بمجرد العقل، فلا ندري عن مقدار هذا الاقتراب، وعن موعد هذا الشر، موعد وقوع هذا الشر،
وقد جاءت الأحاديث كما سيأتي الأحاديث الصحيحة في خروج يأجوج ومأجوج وأنهم سيخرجون في آخر الزمان بعد نزول المسيح، وأن المسيح والمؤمنين يعتصمون منهم بالطور، وأنهم يفسدون في الأرض، ثم يهلكهم الله -سبحانه وتعالى- ﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ﴾4
فقالت أم المؤمنين -رضي الله عنها- لما رأت من الرسول ما رأت وسمعت منه ما قال: « أنهلك وفينا الصالحون؟ »7
وإن كان الصالحون موجودين بيننا
قال: « نعم إذا كثر الخبث »8 والمراد بالخبث الخبث المعنوي، الكفر والمعاصي والذنوب هي الخبث.
إذا كثر الخبث، أنواع الفجور، الزنا، وشرب الخمور، وأكل الربا، وما سوى ذلك من أنواع الشرور المعنوية العملية، الشرور العملية، إذا كثر الخبث،
وهذا يشهد بأن الصالحين يهلكون مع من يهلك، ويعم الأمر، تنزل العقوبات عامة، فإن كان هؤلاء الصالحون قد اتقوا الله وقاموا بما يجب عليهم من الإنكار أو كانوا عاجزين، أما من كان قادرا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يقم به فلا يصدق عليه اسم الصلاح، لأنه عاص من جملة العصاة.
لكن الصالحون إما أن يكونوا قائمين بما يقدرون عليه من الأمر بالمعروف ومقاومة الخبث،
وإما أن يكونوا عاجزين، إما أن يكونوا قائمين بما يجب عليهم ولكن لم يستجب لهم، أو يكونوا عاجزين، فتنزل العقوبات عامة، فيهلك الصالح والطالح، ويبعث الناس على نياتهم كما ورد في مثل هذا المعنى في الجيش الذي يغزو الكعبة فيخسف بأولهم وآخرهم وفيهم من ليس منهم، فلما سئل الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: « يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم »9
فقد تأتي العقوبة عامة ويهلك فيها ما شاء الله من الصالحين، ويكون فيها تمحيص لهم ورفع لدرجاتهم.
أرأيتم ما وقع في غزوة أحد؟ هل كانت بمعصية جميعهم؟ هل كل من أصيب يعني كان عاصيا؟
لا، أصيب الكثير من المسلمين، لكن كان السبب معصية البعض، فحصل الابتلاء، وحصلت الحكم التي أرادها الله سبحانه وتعالى ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾10
ونكتفي اليوم بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه.
أحسن الله إليك، وهذا سائل يقول: لماذا خص النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ويل للعرب دون غيرهم من المسلمين؟
لا إله إلا الله، ذكر أهل الشرح راجع الفتح في هذا قالوا: لأن معظم المسلمين في ذلك اليوم كانوا العرب، فجاء التخويف يعني أضيف الخوف إليهم، الخوف عليهم، لأن معظم المسلمين في حياة الرسول وبعد حياة الرسول إلى أن فتحت الفتوح في سائر الأقطار كان معظم المسلمين من العرب، نعم هذا هو ما قاله بعض الشراح، والله أعلم.
أحسن الله إليكم، يقول: فضيلة الشيخ في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- « ما من زمان إلا والذي بعده شر منه »11
هذا سيأتي.نعم
أحسن الله إليك، هذان سؤالان حول موضوع التفجيرات وما مر بالمسلمين فيقول: هل هذا من الفتن؟ وما نصيحتكم للشباب، وجزاكم الله خيرا؟
نعم، هذه التفجيرات من الفتن، ولهذا ماذا حصل بسببها؟ حصل الهرج والمرج، والقيل والقال، والاضطراب في الكلام، وفي الأحكام، وفي الأقوال، وفي التصرفات، هي فتن، يعني من الناس من يقول: هذا من الجهاد في سبيل الله، ومنهم من يقول: إن هؤلاء مجرمون، وربما أفضى ببعض الناس إلى الغلو إلى أن يكفرهم أو يقنطهم من رحمة الله، هي نعم من الفتن، والله المستعان، وهذا أمر بيّن.
أحسن الله إليكم، وأثابكم ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
بارك الله فيكم، وفق الله الجميع.
1 : البخاري : أحاديث الأنبياء (3346) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2880) , والترمذي : الفتن (2187) , وابن ماجه : الفتن (3953) , وأحمد (6/429). 2 : البخاري : أحاديث الأنبياء (3346) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2880) , والترمذي : الفتن (2187) , وابن ماجه : الفتن (3953) , وأحمد (6/429). 3 : البخاري : أحاديث الأنبياء (3346) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2880) , والترمذي : الفتن (2187) , وابن ماجه : الفتن (3953) , وأحمد (6/429). 4 : سورة الأنبياء (سورة رقم: 21)، آية رقم:96 5 : سورة الكهف (سورة رقم: 18)، آية رقم:94 - 95 6 : البخاري : أحاديث الأنبياء (3346) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2880) , والترمذي : الفتن (2187) , وابن ماجه : الفتن (3953) , وأحمد (6/429). 7 : البخاري : أحاديث الأنبياء (3346) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2880) , والترمذي : الفتن (2187) , وابن ماجه : الفتن (3953) , وأحمد (6/429). 8 : البخاري : أحاديث الأنبياء (3346) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2880) , والترمذي : الفتن (2187) , وابن ماجه : الفتن (3953) , وأحمد (6/429). 9 : البخاري : البيوع (2118) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2884). 10 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)، آية رقم:140 - 141 11 : البخاري : الفتن (7068) , والترمذي : الفتن (2206) , وأحمد (3/132).
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:17 am | |
|
حديث إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم
ولمسلم عن أسامة -رضي الله عنه- « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشرف على أطم من آطام المدينة ثم قال: هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر. »1
-------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
ولمسلم عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشرف على أطم من آطام المدينة »1
أشرف بمعنى صعد على أطم، أو أشرف وهو على أطم من آطام المدينة، والأطم: هو البناء العالي، فُسر بالحصن، يعني الحصن من حصون المدينة، ومن شأن الحصن أن يكون عاليا،
فالرسول أشرف على المدينة من ذلك الحصن فقال: « هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن بين بيوتكم كمواقع القطر »2
الله أعلم كيف رآها، لا بد أن الله أطلعه على ما سيكون من تلك الفتن، لكن كيف رآها؟
رآها ممثلة؟ أو رآها يعني بقلبه لما أطلعه الله عليه فكأنها رأي عين، إني لأرى الفتن بين بيوتكم، كثيرا ما تطلق الفتن في الأحاديث على القتال، على قتال الظالم، وعلى قتال الملتبس الذي لم تتميز وتتحقق شريعته، تطلق الفتن على الهرج الذي هو القتل
« إني لأرى الفتن بين بيوتكم، مواقع الفتن بين بيوتكم كمواقع القطر »3
وحمله العلماء -يعني باجتهاد، والله أعلم بحقيقة ذلك- حملوه على ما جرى عند يعني ما جرى في خلافة عثمان في آخر الأمر، عندما ثار عليه المفسدون والمغرضون والمنافقون، ثاروا عليه وتحججوا، وادعوا عليه دعاوى، وأحاطوا به، وتجمعوا في المدينة، وحاصروه في داره -رضي الله عنه- حتى قتلوه، فلما قتلوا الخليفة أصبحت المدينة تموج بأولئك الأوباش والأشرار، تموج، فهذه هي كبرى وأولى الفتن التي جرت في المدينة، وكفى بها مصيبة، مصيبة عظمى على الإسلام والمسلمين.
وكذلك ما جرى في المدينة من وقعة الحرة عندما غزاها الجيش في خلافة يزيد بن معاوية -رضي الله عنه- فاستبيحت، وارتكبت فيها العظائم من القتل والنهب والسلب، فلعل هذا من هذا، ولا نقطع بشيء، يعني هذا يقال على أساس أنه مما يحتمل أن يكون هو مما يدخل في مقصود
الرسول -صلى الله عليه وسلم- « إني لأرى الفتن مواقع الفتن بين بيوتكم كمواقع القطر »4
قال العلماء: كمواقع القطر يعني من حيث العموم، المطر إذا نزل على حي أو نزل على بلد تجده يصير عاما يشمل المنطقة التي عليها مثل السحاب، والله أعلم،
« كمواقع القطر »5 قالوا: في العموم.
ويؤخذ من هذا أنه علم من أعلام النبوة -عليه الصلاة والسلام-، فهو بهذا يخبر عما سيكون، وقد كان كما أخبر صلى الله عليه وسلم. نعم.
1 : البخاري : الحج (1878) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2885) , وأحمد (5/208). 2 : البخاري : الحج (1878) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2885) , وأحمد (5/200). 3 : البخاري : الحج (1878) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2885) , وأحمد (5/200). 4 : البخاري : الحج (1878) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2885) , وأحمد (5/200). 5 : البخاري : الحج (1878) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2885) , وأحمد (5/200).
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:18 am | |
| حديث إن الفتنة تجيء من هاهنا
ولمسلم « عن سالم بن عبد الله أنه قال: يا أهل العراق، ما أسألكم الصغيرة! وما أركبكم الكبيرة! سمعت أبي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الفتنة تجيء من هاهنا -وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان- وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ، فقال الله له وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا »1
--------------------------------------------------------------------------------
لا إله إلا الله، سالم بن عبد الله أحد الفقهاء، سالم بن عبد الله بن عمر يقول لبعض أهل العراق
: « ما أسألكم عن الصغيرة وما أركبكم »1 ما أسألكم الصغيرة يعني: ما أسألكم عن الصغيرة، تسألون عن الصغائر ودقائق المسائل، والمسائل السهلة، وأنتم ترتكبون الكبائر العظائم، ما أسألكم الصغيرة! وما أركبكم الكبيرة!
"ما" هي التعجبية، و"أسأل" فعل التعجب يكون مفتوحا « ما أسألكم الصغيرة! وأركبكم للكبيرة! »1
سمعت أبي عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم
- يقول: « الفتنة من هاهنا، وأشار بيده إلى المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان... »1
تأكيد، من حيث يطلع قرن الشيطان، تأكيد لقوله: من هاهنا, وأشار بيده إلى المشرق، يعني من حيث تطلع الشمس، والشمس ثبت في الحديث الآخر أنها تطلع بين قرني الشيطان، هذا أقرب ما يفسر به هذا الحديث فيما يظهر، تطلع بين قرني الشيطان وحينئذ يسجد لها الكفار.
يريد سالم إنكم يا أهل العراق مصدر الشر ومصدر الفتن، وكذا أخبر الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن الفتنة تكون من هاهنا، وأشار بيده إلى المشرق، مشرق المدينة، والعراق شرق المدينة من حيث يطلع قرن الشيطان،
وقد وقع الأمر كما دل عليه خبر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إذ ظهر أكثر الفتن من جهة العراق، الفتن السياسية، الحربية، بالقتال، بالاقتتال،
والفتن العلمية المعنوية، وذلك بما ظهر من أنواع البدع، فبدعة القدر ظهرت في العراق بالبصرة، وكذلك فتنة الرفض بالكوفة في عهد علي -رضي الله عنه- وكذلك الخوارج, كل هذه الفتن ظهرت هناك، ولم يزل الأمر هذا المشرق منشأ ومصدر يعني لأنواع الفتن، الفتن الاعتقادية، والفتن الحربية السياسية.
وهذا أمر بين يدركه المتأمل للتأريخ، فاقرءوا التأريخ تجدون هذا الأمر عيانا مطابقا لما أخبر به -عليه الصلاة والسلام-،
وهذا لا ينفي وجود وظهور فتن في المغرب كما في هذه الأعصار، لا ينفي، لكن المشرق هو الأصل في هذا، وهو الذي ظهرت فيه الفتن في صدر الإسلام وفي القرون الأولى في القرون المفضلة، فقول الرسول لا يقتضي الحصر أن الفتنة لا تكون إلا من هاهنا، لكن لهذا الوجه ولهذه الجهة تميز،
ولا يختص هذا بالعراق، بالعراق وما وراء العراق أيضا، لكن العراق هو الذي كانت فيه الخلافة من عهد علي -رضي الله عنه- كانت فيه الخلافة فظهرت فيه الفتن، ظهرت كما قلت، حصل ما حصل من ظهور البدع الاعتقادية، كالقدر، والرفض، وبدعة الحرورية. نعم أعد الحديث الجزء الأخير.
« عن سالم بن عبد الله قال: يا أهل العراق، ما أسألكم الصغيرة! وما أركبكم الكبيرة! سمعت أبي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: إن الفتنة تجيء من هاهنا، وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون »1
- وأنتم من هذا فيما يظهر أنه مُدرَج هذا الذي، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، الذي يظهر لي أن هذا مدرج من كلام سالم. نعم يقول: وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض إيش بعده؟ - « وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ، فقال الله له: وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا »1
يقول موسى -عليه السلام- قتل القبطي من شيعة فرعون، قتله خطأ واعتذر إلى ربه قال ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾3 وقال الله في الآية الأخرى ﴿ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾2 الفتنة -كما تقدم- أنها الابتلاء، وتطلق على معانٍ منها الاقتتال والحروب، ومنها الضلالات والشبهات كما تقدم.
وقوله تعالى: ﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾2 فيها معنى الابتلاء، فالله ابتلى موسى بأن بعدما حصل منه ما حصل وقتل النفس تآمر عليه الملأ ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾4 فهذا مما يدخل في هذا الفتون، والله أعلم. نعم. [/size]
1 : البخاري : الجمعة (1037) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2905) , والترمذي : المناقب (3953) , وأحمد (2/118) , ومالك : الجامع (1824). 2 : سورة طه (سورة رقم: 20)، آية رقم:40 3 : سورة القصص (سورة رقم: 28)، آية رقم:16
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:21 am | |
| حديث العبادة في الهرج كهجرة إلي
وله عن معقل بن يسار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « العبادة في الهرج كهجرة إليّ »1
--------------------------------------------------------------------------------
يقول: عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « العبادة في الهرج كهجرة إليّ »1
الهرج: جاء في تفسيره كما سيأتي بأنه القتل،
يعني العبادة في وقت الفتن، فتن الحروب، فتن القتال، الحروب العمياء التي تكون بين المسلمين على غير بصيرة إما لشبهات وتأويلات، أم لنزاعات على الدنيا، كالحروب التي تكون نزاعات على السلطة، النزاعات التي تكون بين طلاب السلطان، طلاب السلطة، فإذا غلبت هذه الفتن على الناس فينبغي للعبد أن يعتزل هذه الفرق ويقبل على عبادة ربه مؤديا لفرائضه وقائما بأنواع العبادة، وليس المقصود فقط أنه يعتزل ويعبد ربه بنوع من العبادة بصلاة وصيام وتلاوة، العبادة أوسع من هذا المفهوم، يقوم بالعبودية لله بأنواعها، يؤدي الواجبات، يؤدي فرائض الله، يحافظ على الجُمع والجماعات، يأمر بالمعروف، ينهى عن المنكر إذا استطاع، إذا استطاع يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فهذا القائم بعبودية الله يقول فيه الرسول كهجرة إليّ.
« العبادة في الهرج كهجرة إلي »1
الهجرة إلى الرسول لها شأن عظيم، الله قرن الهجرة بالجهاد في سبيله في آيات كثيرة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾2
ففي حال الفتن الحربية وغيرها, لكن الهرج هو المراد به القتل، القتل، فعلى الإنسان ألا ينساق مع الأهواء، ولا ينخرط في فريق من هذه الفرق، بل عليه أن يقوم بالعبودية لله، ويعبد ربه مؤديا للفرائض، قائما بالواجبات، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، فلا ينساق مع الأهواء، بل عليه أن يعتصم بكتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- ويحكمهما على نفسه وعلى غيره. نعم.
1 : مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2948) , والترمذي : الفتن (2201) , وابن ماجه : الفتن (3985). 2 : سورة الأنفال (سورة رقم: 8)، آية رقم:72
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:23 am | |
| حديث إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم
ولمسلم عن ابن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: « إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: نكون كما أمر الله , فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض »1
--------------------------------------------------------------------------------
الله المستعان، لا إله إلا الله.
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: كيف بكم إذا فتحت عليكم فارس والروم؟
هذا فيه الخبر بأنهم سيفتحون فارس والروم، وقد حصل، ففتح المسلمون بلاد فارس والروم، وأطاحوا بدولتي الفرس والروم، أطاحوا بهما وأزالوهما، وغنموا أموال الدولتين، كسرى وقيصر، الأحمر والأبيض، وأنفقهما الصحابة في سبيل الله، فوقع الأمر كما أخبر فتحت.
لكن كيف الحال بعد ذلك؟ هل استمر الأمر على ما كان عليه العهد الأول من الجهاد في سبيل الله، والإنفاق في سبيل الله، وإنفاق ما يغنمونه كذلك ووضعه في مواضعه؟
لا. حدثت أمور، وتغير الناس.
قال عبد الرحمن بن عوف الصحابي الجليل المفضل، أحد العشرة المبشرين بالجنة، قال:
نكون كما أمر الله، أي نطيع ربنا، ونجاهد في سبيله، ونأمر بالمعروف، ونكون كما أمر الله، فقال: أو غير ذلك،
ثم ذكر -عليه الصلاة والسلام- أن الأمر لا يكون، أمر الناس لا يكون كما ظن عبد الرحمن، لا يكون الناس على الاستقامة التي أمر الله بها العباد، لا، تتغير الأحوال، يتنافسون في الدنيا، إذا فتحت فارس والروم، وغنم الناس الأموال، وأثروا بسبب ذلك حصلت النزاعات والخلافات، حصل الاقتتال والتقاطع والتدابر، وهذا قد حصل، وهذا كله ما حصل، إنما حصل بعد الفتنة الكبرى، بعد مقتل عثمان، أما قبل فكانت الأمور على السلامة.
وأزهى العهود -كما تقدم- عهد الخليفتين الراشدين أبو بكر وعمر، وكذلك صدر خلافة عثمان، كانت الأمور على أحسن ما يكون، ثم لما بدأت بذور الشر بذور الفتنة، وانتهت بقتل عثمان، حصل ما أخبر به الرسول -عليه الصلاة والسلام- من التقاطع والتدابر والاقتتال، وحصل ما حصل من القتل في المدينة كما تقدم، وهذا كله من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-.
والرسول يخبر بهذا على وجه الذم له والتحذير منه، ومعلوم هذا لا يحصل من الكل، لكن هذا إخبار عن أن هذا سيقع، وأنه واقع، ولا يلزم أن يكون هذا من الجديد، فوقعت الفتن، ودخل فيها مَن دخل مِن أصناف الناس، وعصم الله منها مَن عصم، ممن أكرمه الله بذلك، سواء بهذه الفتن التي حدثت في خلافة علي -رضي الله عنه- كما وقعة الجمل وصفين، أو ما وقع قبل ذلك مما أدى إلى قتل عثمان، أو حدث بعد ذلك من الفتن والحروب والنزاعات على الإمرة، نعم، أعد الحديث.
ولمسلم عن ابن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ »1 أي قوم أنتم؟ يعني ما حالكم من حيث الصلاح والاستقامة أو ضدهما. نعم.
« قال عبد الرحمن بن عوف: نكون كما أمر الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أو غير ذلك، تتنافسون ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون أو نحن ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض »2 نعم، بعده.
1 : مسلم : الزهد والرقائق (2962) , وابن ماجه : الفتن (3996). 2 : مسلم : الزهد والرقائق (2962) , وابن ماجه : الفتن (3996).
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:24 am | |
| حديث ما الفقر أخشى عليكم
وله عن عمرو بن عوف « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة إلى البحرين فأتى بجزيتها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صالح أهل البحرين وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رآهم ثم قال: أظنكم سمعتم أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ قالوا: أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا وأمّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوا فيها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم »1 وفي رواية: فتلهيكم كما ألهتهم.
--------------------------------------------------------------------------------
عن عمرو بن عوف -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة إلى البحرين ليأخذ منهم الجزية، أو ليقبض جزيتهم، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أمَّر على البحرين العلاء بن الحضرمي، فجاء أبو عبيدة بما جاء به من المال من جزية آل البحرين، فسمع بذلك من سمع من الأنصار، فوافوا صلاة الفجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، حضروا صلاة الفجر، يصلون، يرجون أن ينالوا نصيبا من هذا المال الذي جاء به أبو عبيدة، فلما صلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وانصرف تعرضوا له، وقفوا في الطريق -صلى الله عليه وسلم-، وقفوا في طريقه، أو جاءوا قريبا منه، تعرضوا له، فقال: « لعلكم سمعتم أن أبا عبيدة جاء بشيء من البحرين؟ فقالوا: أجل »2 صراحة، ما قالوا جئنا نسلم ويكتفون، لا، قالوا أجل نعم بجد وصدق، أجل جئنا لأجل هذا -صلى الله عليه وسلم-،
فقال -عليه الصلاة والسلام- « أبشروا وأملوا »3 هذه الكلمة هذه أثلجت صدورهم، قابلهم بالبشرى ولم يكفهر في وجهوهم، يقول أنتم طلاب دنيا، أنتم جئتم من أجل الدنيا، الإنسان مجبول على محبة الدنيا، حب الدنيا جبلة، جبلة في الإنسان أنه يحب المال، يحب مصالحه، وليس العيب في كون الإنسان يحب منافع الدنيا وشهوات الدنيا، العيب والذنب فيمن ينحرف في هذا الحب ويحمله حبه للدنيا على ما حرم الله، منعا لواجب أو أخذا لحرام.
أما طلب المال من حله فليس هذا بعيب، أبشروا وأملوا ما يسركم، ثم وجههم التوجيه الصالح الذي يجب أن يستقر في نفوسهم، وهو توجيه لهم وللأمة كلها،
ثم قال: « فوالله ما الفقر أخشى عليكم »4 الفقر مفعول به منصوب مقدم « فوالله ما أخشى الفقر عليكم »5 « فوالله ما الفقر أخشى عليكم »4 لا أخاف عليكم من الفقر الذي هو قلة ذات اليد، فهذا أمره أسهل، إنما الخطر في الغنى، في المال، في البسط، وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، تُبْسَط، وتعطون من متعها، من الأموال، من الذهب والفضة وأنواع المال « وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها أو فتنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم »6 تنافسوا.
التنافس يعني التغالب على الشيء، والتسابق إلى الشيء، فتنافسوا فيها، تتسابقون إلى نيلها، وإلى الظفر بأكبر قدر، تنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم، والتنافس على الدنيا التسابق عليها مذموم، إنما التنافس المحمود هو ما قال الله فيه ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾7 ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾8 أما الدنيا فلا ينبغي أن تكون موضع تنافس وتسابق.
ومن التنافس على الدنيا التكاثر، أن كل واحد يريد أن يكون أكثر من الآخر في الدنيا، التطاول في البنيان، يتطاولون، كل واحد يريد أن يكون قصره أطول وحظوظه من هذه الدنيا أعظم وأكثر « وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم، أو فتلهيكم كما ألهتهم »9 والإلهاء يؤدي إلى الهلاك.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾10 ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾11 فحظوظ الدنيا إذا ألهت عن ذكر الله، وعن القيام بما أوجب الله، كانت وبالا، وكانت سببا للهلكة، كانت سببا للهلاك.
فتهلككم بسبب التنافس، التنافس يتضمن الإيثار، إيثار الدنيا على الآخرة يؤدي إلى إيثار الدنيا على الآخرة، وهذا يتضمن طلب المال أو غيره من حظوظ الدنيا من غير حله، ويؤدي إلى الشح وإلى البخل بما أوجب الله، ولهذا أثنى الله على أولئك الرجال ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾12 مدحهم بأنها لا تلهيهم، إذن هم يتجرون أم لا يتجرون؟ يتجرون؟ نعم، يتجرون ويكتسبون ويسعون ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾13 فتجد -يعني- في نفس هذه الآيات من سورة الجمعة نهاهم عما يلهيهم ﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾14 نهاهم أن يلهوا بالبيع عن الصلاة، وبعد الصلاة أذن لهم بطلب الفضل ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾13 وهذا إذن بعد الحظر يقتضي الإباحة كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾15 ويشهد لهذا الحديث قوله تعالى: ﴿ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ ﴾16 أي: بنصيبهم ﴿ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾16 فالرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بشرهم، وحذرهم من خطر الدنيا وبسط الدنيا، فلا ينبغي للإنسان أن يفرح بها، اللهم إلا الفرح الطبيعي، فهذا أمر جبلي في الإنسان، فإذا كان الإنسان مجبولا على حب المال فلا بد أن يفرح بما يحصل له، لكن فرحا طبيعيا محدودا لا يخرجه إلى الأشر والبطر والاغترار، كفرح قارون المغرور بما أوتي من الثراء ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ﴾17 هذا من المنافسة، نفسوا عليه وغبطوه على هذا الحظ العظيم ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾18 المقصود أن بسط الدنيا هو من الفتن، هذا هو الشاهد، بسط الدنيا هو من الفتن التي يُبتلَى بها الناس، والفقر أيضا هو ابتلاء، لكن فتنة البسط أخطر من فتنة القَدْر والتضييق في المعيشة في الفقر، الابتلاء بالثراء والغنى والبسط في حظوظ الدنيا هو الخطر.
قال بعض السلف: ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر.
واقرءوا التاريخ تجدون الأمر عيانا، واقرءوا الواقع تجدونه كذلك، فبسط الدنيا هو ابتلاء وفتنة عظمى، ويفضي كذلك إلى الفتن التي أشار إليها الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث المتقدم « كيف بكم إذا فتحت عليكم فارس والروم »19 هذا ما ذكره الرسول -عليه الصلاة والسلام- أثرا بفتح فارس والروم، ففتح فارس والروم أدى إلى البسط، إلى بسط الدنيا، وبسط الدنيا أدى إلى التنافس، والتنافس أدى إلى التدابر والتقاطع والتباغض والتقاتل هكذا، يعني الحديث المتقدم يفسر لنا هذا الحديث، ويعطينا صورة مما أشار إليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- بقوله: « وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم »19 ولعلنا نكتفي بهذا القدر اليوم، والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أحسن الله إليكم، فضيلة الشيخ، هذا يقول في حديث نجد يطلع منها قرن الشيطان يقول: إن بعضهم يقول: إنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فما ردكم على هؤلاء؟
هذا قد أجيب عنه بأن هذا الموقع اسمه اليمامة، وليس هو بنجد، اسمه اليمامة، هذا هو المعروف، لكن تسميته بنجد يظهر أنه إطلاق متأخر، والله أعلم، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول في حديث معقل بن يسار: « العبادة في الهرج كهجرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- »20 هل يُفهَم منه أنه ينبغي للمسلم في الفتن أن يكون في عزلة؟
هذا أنا ذكرت هذا المعنى، قلت: إنه ليس المراد أنه ينطوي ويدخل في خلوة أو في بيته ويتعبد، اللهم إلا أن يكون ممن لا يقدر على شيء من الخير والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، هذه هنا مثل ما جاء « يوشك أن يكون خير مال الرجل غنيمة يتتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن »21 نعم، وهذا يختلف باختلاف الناس واختلاف درجات وأحوال الفتن، تختلف الأمور، الذين اعتزلوا الفتنة في عهد علي -رضي الله عنه- لم يكونوا منعزلين في بيوتهم، بل كانوا قائمين بما أوجب الله عليهم من شرائع الإسلام المختلفة والمتنوعة، القاصرة والمتعدية، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: كيف نجمع بين الأحاديث الآمرة بالاعتزال وبين أمر الله لنا بالإصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين؟
سبحان الله! الاعتزال ترك الدخول في الصراع، وإذا لم تدخل في الصراع بمعنى أنك ما تسع في الصلح، هذا منصوص في القرآن ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾22 إذن الآية فيها كم طائفة يا إخوان؟ فيها ثلاث: طائفتان مقتتلتان، والطائفة الثالثة المأمورة بالإصلاح، إذن هم ثلاث صاروا، إذن الدخول في الإصلاح لا يستلزم اعتزال الصراع والقتال والاقتتال، لا يستلزم ترك الإصلاح، وهذا دل عليه القرآن كما هو واضح في هذه الآيات.
أحسن الله إليكم، يقول: هل العزلة مشروعة في وقتنا الحاضر لكثرة الفتن؟ وهل هناك فرق بين العالم وغير العالم، وبماذا نفسر عزلة الصحابي أبي ذر رضي الله تعالى عنه؟
أقول: إن الأمور تختلف باختلاف الناس، وباختلاف المواقع، والعزلة درجات، هناك فيه عزلة تامة تقتضي التفرد والانفراد مثلما ذُكر في الحديث، إذا إنسان أصبح ما له دور كما يقال، ما له أثر في وجوده في المجتمع، ويخشى على نفسه أن يُجر إلى شر، إلى أن يتورط، فيفر بدينه وينعزل.
وفيه اعتزال نسبي، أنتم الآن عند كل واحد منكم قدر من العزلة، لأنكم لا تختلطون بكل أحد، أنتم يعني تهجرون كثيرا من المجامع والاجتماعات والمجالس والمواقع تجنبا للشر وأهله.
فالعزلة على مراتب، وتختلف باختلاف أحوال الناس، من الناس من يكون عنده قدرة علمية وقدرة شخصية وبيانية، ويستطيع أن يصارع الباطل، ويقاوم الباطل ويؤثر، وآخر دون ذلك.
أما ما ذُكر في السؤال عن عزلة أبي ذر فأبو ذر نصحه عثمان -رضي الله عنه- أن يكون في الربذة ويبعد، لأنه عنده بعض الآراء التي هي اجتهادية له تخصه، ويريد أن يحمل عليها الناس، يريد للناس إنك لا تتمول، لا تبق شيئا من المال، أنفق ما عندك، يذكر للناس أحاديث الأمر بالإنفاق، وأن التجار هم الفجار إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا، فصار يعني بقاؤه في المدينة لا يستطيع هو بالتزامه بهذا الرأي الاجتهادي، وعدم صبره على السكوت، لو سكت وجاء في المدينة سكت، يعني رأيه اختص به وسكت، لكن كونه يأتي ويتكلم مع الناس ويجهر بهذا، فهذا اجتهاد، وهذا رأي الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: هل البحرين الذي ذكر في الحديث هي الموجودة الآن؟
ما أدري، يظهر أن اسم البحرين أوسع من البحرين الآن، تطلق على المنطقة نفسها اسمها البحرين، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: هل يجوز الخوض فيما شجر بين الصحابة والقراءة فيه؟
لا، ما ينبغي القراءة فيه إلا لغرض شرعي، أما قراءتها قراءة عامة على الناس كما صنع أحد المعنيين بالتأريخ، ووضعه في أشرطة وتروج، يستمع إليها أصناف الناس من مختلف الطبقات من الرجال والنساء، والعوام والجهال، والصغار والكبار، هذا غلط منكر، نعم.
أحسن الله إليكم، وأثابكم ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
نفعنا الله وإياكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 2 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 3 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 4 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 5 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 6 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 7 : سورة المطففين (سورة رقم: 83)، آية رقم:26 8 : سورة الصافات (سورة رقم: 37)، آية رقم:61 9 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 10 : سورة المنافقون (سورة رقم: 63)، آية رقم:9 11 : سورة التكاثر (سورة رقم: 102)، آية رقم:1 - 2 12 : سورة النور (سورة رقم: 24)، آية رقم:37 13 : سورة الجمعة (سورة رقم: 62)، آية رقم:10 14 : سورة الجمعة (سورة رقم: 62)، آية رقم:9 15 : سورة المائدة (سورة رقم: 5)، آية رقم:2 16 : سورة التوبة (سورة رقم: 9)، آية رقم:69 17 : سورة القصص (سورة رقم: 28)، آية رقم:79 18 : سورة القصص (سورة رقم: 28)، آية رقم:79 - 80 19 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 20 : مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2948) , والترمذي : الفتن (2201) , وابن ماجه : الفتن (3985). 21 : البخاري : بدء الخلق (3300) , والنسائي : الإيمان وشرائعه (5036) , وأبو داود : الفتن والملاحم (4267) , وابن ماجه : الفتن (3980) , وأحمد (3/43). 22 : سورة الحجرات (سورة رقم: 49)، آية رقم:9
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:29 am | |
| حديث ما الفقر أخشى عليكم
وله عن عمرو بن عوف « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة إلى البحرين فأتى بجزيتها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صالح أهل البحرين وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رآهم ثم قال: أظنكم سمعتم أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ قالوا: أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا وأمّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوا فيها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم »1 وفي رواية: فتلهيكم كما ألهتهم.
--------------------------------------------------------------------------------
عن عمرو بن عوف -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة إلى البحرين ليأخذ منهم الجزية، أو ليقبض جزيتهم، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أمَّر على البحرين العلاء بن الحضرمي، فجاء أبو عبيدة بما جاء به من المال من جزية آل البحرين، فسمع بذلك من سمع من الأنصار، فوافوا صلاة الفجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، حضروا صلاة الفجر، يصلون، يرجون أن ينالوا نصيبا من هذا المال الذي جاء به أبو عبيدة، فلما صلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وانصرف تعرضوا له، وقفوا في الطريق -صلى الله عليه وسلم-، وقفوا في طريقه، أو جاءوا قريبا منه، تعرضوا له، فقال: « لعلكم سمعتم أن أبا عبيدة جاء بشيء من البحرين؟ فقالوا: أجل »2 صراحة، ما قالوا جئنا نسلم ويكتفون، لا، قالوا أجل نعم بجد وصدق، أجل جئنا لأجل هذا -صلى الله عليه وسلم-،
فقال -عليه الصلاة والسلام- « أبشروا وأملوا »3 هذه الكلمة هذه أثلجت صدورهم، قابلهم بالبشرى ولم يكفهر في وجهوهم، يقول أنتم طلاب دنيا، أنتم جئتم من أجل الدنيا، الإنسان مجبول على محبة الدنيا، حب الدنيا جبلة، جبلة في الإنسان أنه يحب المال، يحب مصالحه، وليس العيب في كون الإنسان يحب منافع الدنيا وشهوات الدنيا، العيب والذنب فيمن ينحرف في هذا الحب ويحمله حبه للدنيا على ما حرم الله، منعا لواجب أو أخذا لحرام.
أما طلب المال من حله فليس هذا بعيب، أبشروا وأملوا ما يسركم، ثم وجههم التوجيه الصالح الذي يجب أن يستقر في نفوسهم، وهو توجيه لهم وللأمة كلها،
ثم قال: « فوالله ما الفقر أخشى عليكم »4 الفقر مفعول به منصوب مقدم « فوالله ما أخشى الفقر عليكم »5 « فوالله ما الفقر أخشى عليكم »4 لا أخاف عليكم من الفقر الذي هو قلة ذات اليد، فهذا أمره أسهل، إنما الخطر في الغنى، في المال، في البسط، وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، تُبْسَط، وتعطون من متعها، من الأموال، من الذهب والفضة وأنواع المال « وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها أو فتنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم »6 تنافسوا.
التنافس يعني التغالب على الشيء، والتسابق إلى الشيء، فتنافسوا فيها، تتسابقون إلى نيلها، وإلى الظفر بأكبر قدر، تنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم، والتنافس على الدنيا التسابق عليها مذموم، إنما التنافس المحمود هو ما قال الله فيه ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾7 ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾8 أما الدنيا فلا ينبغي أن تكون موضع تنافس وتسابق.
ومن التنافس على الدنيا التكاثر، أن كل واحد يريد أن يكون أكثر من الآخر في الدنيا، التطاول في البنيان، يتطاولون، كل واحد يريد أن يكون قصره أطول وحظوظه من هذه الدنيا أعظم وأكثر « وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم، أو فتلهيكم كما ألهتهم »9 والإلهاء يؤدي إلى الهلاك.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾10 ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾11 فحظوظ الدنيا إذا ألهت عن ذكر الله، وعن القيام بما أوجب الله، كانت وبالا، وكانت سببا للهلكة، كانت سببا للهلاك.
فتهلككم بسبب التنافس، التنافس يتضمن الإيثار، إيثار الدنيا على الآخرة يؤدي إلى إيثار الدنيا على الآخرة، وهذا يتضمن طلب المال أو غيره من حظوظ الدنيا من غير حله، ويؤدي إلى الشح وإلى البخل بما أوجب الله، ولهذا أثنى الله على أولئك الرجال ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾12 مدحهم بأنها لا تلهيهم، إذن هم يتجرون أم لا يتجرون؟ يتجرون؟ نعم، يتجرون ويكتسبون ويسعون ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾13 فتجد -يعني- في نفس هذه الآيات من سورة الجمعة نهاهم عما يلهيهم ﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾14 نهاهم أن يلهوا بالبيع عن الصلاة، وبعد الصلاة أذن لهم بطلب الفضل ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾13 وهذا إذن بعد الحظر يقتضي الإباحة كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾15 ويشهد لهذا الحديث قوله تعالى: ﴿ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ ﴾16 أي: بنصيبهم ﴿ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾16 فالرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بشرهم، وحذرهم من خطر الدنيا وبسط الدنيا، فلا ينبغي للإنسان أن يفرح بها، اللهم إلا الفرح الطبيعي، فهذا أمر جبلي في الإنسان، فإذا كان الإنسان مجبولا على حب المال فلا بد أن يفرح بما يحصل له، لكن فرحا طبيعيا محدودا لا يخرجه إلى الأشر والبطر والاغترار، كفرح قارون المغرور بما أوتي من الثراء ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ﴾17 هذا من المنافسة، نفسوا عليه وغبطوه على هذا الحظ العظيم ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾18 المقصود أن بسط الدنيا هو من الفتن، هذا هو الشاهد، بسط الدنيا هو من الفتن التي يُبتلَى بها الناس، والفقر أيضا هو ابتلاء، لكن فتنة البسط أخطر من فتنة القَدْر والتضييق في المعيشة في الفقر، الابتلاء بالثراء والغنى والبسط في حظوظ الدنيا هو الخطر.
قال بعض السلف: ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر.
واقرءوا التاريخ تجدون الأمر عيانا، واقرءوا الواقع تجدونه كذلك، فبسط الدنيا هو ابتلاء وفتنة عظمى، ويفضي كذلك إلى الفتن التي أشار إليها الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث المتقدم « كيف بكم إذا فتحت عليكم فارس والروم »19 هذا ما ذكره الرسول -عليه الصلاة والسلام- أثرا بفتح فارس والروم، ففتح فارس والروم أدى إلى البسط، إلى بسط الدنيا، وبسط الدنيا أدى إلى التنافس، والتنافس أدى إلى التدابر والتقاطع والتباغض والتقاتل هكذا، يعني الحديث المتقدم يفسر لنا هذا الحديث، ويعطينا صورة مما أشار إليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- بقوله: « وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم »19 ولعلنا نكتفي بهذا القدر اليوم، والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أحسن الله إليكم، فضيلة الشيخ، هذا يقول في حديث نجد يطلع منها قرن الشيطان يقول: إن بعضهم يقول: إنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فما ردكم على هؤلاء؟
هذا قد أجيب عنه بأن هذا الموقع اسمه اليمامة، وليس هو بنجد، اسمه اليمامة، هذا هو المعروف، لكن تسميته بنجد يظهر أنه إطلاق متأخر، والله أعلم، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول في حديث معقل بن يسار: « العبادة في الهرج كهجرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- »20 هل يُفهَم منه أنه ينبغي للمسلم في الفتن أن يكون في عزلة؟
هذا أنا ذكرت هذا المعنى، قلت: إنه ليس المراد أنه ينطوي ويدخل في خلوة أو في بيته ويتعبد، اللهم إلا أن يكون ممن لا يقدر على شيء من الخير والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، هذه هنا مثل ما جاء « يوشك أن يكون خير مال الرجل غنيمة يتتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن »21 نعم، وهذا يختلف باختلاف الناس واختلاف درجات وأحوال الفتن، تختلف الأمور، الذين اعتزلوا الفتنة في عهد علي -رضي الله عنه- لم يكونوا منعزلين في بيوتهم، بل كانوا قائمين بما أوجب الله عليهم من شرائع الإسلام المختلفة والمتنوعة، القاصرة والمتعدية، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: كيف نجمع بين الأحاديث الآمرة بالاعتزال وبين أمر الله لنا بالإصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين؟
سبحان الله! الاعتزال ترك الدخول في الصراع، وإذا لم تدخل في الصراع بمعنى أنك ما تسع في الصلح، هذا منصوص في القرآن ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾22 إذن الآية فيها كم طائفة يا إخوان؟ فيها ثلاث: طائفتان مقتتلتان، والطائفة الثالثة المأمورة بالإصلاح، إذن هم ثلاث صاروا، إذن الدخول في الإصلاح لا يستلزم اعتزال الصراع والقتال والاقتتال، لا يستلزم ترك الإصلاح، وهذا دل عليه القرآن كما هو واضح في هذه الآيات.
أحسن الله إليكم، يقول: هل العزلة مشروعة في وقتنا الحاضر لكثرة الفتن؟ وهل هناك فرق بين العالم وغير العالم، وبماذا نفسر عزلة الصحابي أبي ذر رضي الله تعالى عنه؟
أقول: إن الأمور تختلف باختلاف الناس، وباختلاف المواقع، والعزلة درجات، هناك فيه عزلة تامة تقتضي التفرد والانفراد مثلما ذُكر في الحديث، إذا إنسان أصبح ما له دور كما يقال، ما له أثر في وجوده في المجتمع، ويخشى على نفسه أن يُجر إلى شر، إلى أن يتورط، فيفر بدينه وينعزل.
وفيه اعتزال نسبي، أنتم الآن عند كل واحد منكم قدر من العزلة، لأنكم لا تختلطون بكل أحد، أنتم يعني تهجرون كثيرا من المجامع والاجتماعات والمجالس والمواقع تجنبا للشر وأهله.
فالعزلة على مراتب، وتختلف باختلاف أحوال الناس، من الناس من يكون عنده قدرة علمية وقدرة شخصية وبيانية، ويستطيع أن يصارع الباطل، ويقاوم الباطل ويؤثر، وآخر دون ذلك.
أما ما ذُكر في السؤال عن عزلة أبي ذر فأبو ذر نصحه عثمان -رضي الله عنه- أن يكون في الربذة ويبعد، لأنه عنده بعض الآراء التي هي اجتهادية له تخصه، ويريد أن يحمل عليها الناس، يريد للناس إنك لا تتمول، لا تبق شيئا من المال، أنفق ما عندك، يذكر للناس أحاديث الأمر بالإنفاق، وأن التجار هم الفجار إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا، فصار يعني بقاؤه في المدينة لا يستطيع هو بالتزامه بهذا الرأي الاجتهادي، وعدم صبره على السكوت، لو سكت وجاء في المدينة سكت، يعني رأيه اختص به وسكت، لكن كونه يأتي ويتكلم مع الناس ويجهر بهذا، فهذا اجتهاد، وهذا رأي الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: هل البحرين الذي ذكر في الحديث هي الموجودة الآن؟
ما أدري، يظهر أن اسم البحرين أوسع من البحرين الآن، تطلق على المنطقة نفسها اسمها البحرين، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: هل يجوز الخوض فيما شجر بين الصحابة والقراءة فيه؟
لا، ما ينبغي القراءة فيه إلا لغرض شرعي، أما قراءتها قراءة عامة على الناس كما صنع أحد المعنيين بالتأريخ، ووضعه في أشرطة وتروج، يستمع إليها أصناف الناس من مختلف الطبقات من الرجال والنساء، والعوام والجهال، والصغار والكبار، هذا غلط منكر، نعم.
أحسن الله إليكم، وأثابكم ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
نفعنا الله وإياكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 2 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 3 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 4 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 5 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 6 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 7 : سورة المطففين (سورة رقم: 83)، آية رقم:26 8 : سورة الصافات (سورة رقم: 37)، آية رقم:61 9 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 10 : سورة المنافقون (سورة رقم: 63)، آية رقم:9 11 : سورة التكاثر (سورة رقم: 102)، آية رقم:1 - 2 12 : سورة النور (سورة رقم: 24)، آية رقم:37 13 : سورة الجمعة (سورة رقم: 62)، آية رقم:10 14 : سورة الجمعة (سورة رقم: 62)، آية رقم:9 15 : سورة المائدة (سورة رقم: 5)، آية رقم:2 16 : سورة التوبة (سورة رقم: 9)، آية رقم:69 17 : سورة القصص (سورة رقم: 28)، آية رقم:79 18 : سورة القصص (سورة رقم: 28)، آية رقم:79 - 80 19 : البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). 20 : مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2948) , والترمذي : الفتن (2201) , وابن ماجه : الفتن (3985). 21 : البخاري : بدء الخلق (3300) , والنسائي : الإيمان وشرائعه (5036) , وأبو داود : الفتن والملاحم (4267) , وابن ماجه : الفتن (3980) , وأحمد (3/43). 22 : سورة الحجرات (سورة رقم: 49)، آية رقم:9
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:55 am | |
|
حديث ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-: ولهما عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء »1
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه.
يقول: ولهما -للبخاري ومسلم- عن أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « ما تركت بعدي فتنة أضر »1 أو هي أضر « على الرجال من النساء »2 في هذا دلالة على أن أعظم فتنة يبتلى بها الرجال هي فتنة النساء، يعني أنها أعظم فتنة من الفتن التي يبتلى بها الناس من بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفتنة النساء تتعلق بالرجال، ولهذا قال: أضر على الرجال من النساء، فالرجال مبتلون إذن بالنساء، وذلك لما جعله فيهم من محبة متعة النساء والمتعة بالنساء.
يشهد لهذا الحديث قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ﴾3 فذكر هذه المحبوبات المزينة للنفوس، وصدَّرها بالنساء ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ﴾3 قدمها على شهوة البنين، وشهوة الذهب والفضة والقناطير المقنطرة، والمتع الأخرى من الأنعام والحرث، والمظاهر والأبهة، وإنما يكون ضرر هذه الفتنة لمن انساق مع هواه وطبعه.
النساء هن شقائق الرجال، وهن مخلوقات لحكمة -كما أخبر الله- السكن ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾4 ومنذ خلق الله آدم خلق زوجه، النفس الأولى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾5 فالمرأة سكن للرجل، المرأة جعلها الله سكنا، وذلك بما شرع، وإنما تكون المرأة سكنا للرجل بما شرع من النكاح، لكن إنما يأتي الضرر للرجال من النساء من أحد طريقين، أعظمهما طلب المتعة بهن على غير الوجه المشروع، طلب المتعة بالنساء يعني بما حرم الله من الزنا بدرجاته، الزنا الفاحشة الكبرى، وكذلك دواعيها من النظر واللمس والمشي كما في الحديث، العين تزني وزناها النظر، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، فيأتي الضرر منها.
وهذا هو أعظم الطريقين لحصول الضرر للرجال من النساء كما يشهد به الواقع، وهذا الطريق هو الذي يستغله الكفار والمنافقون والشهوانيون، يستغلون المرأة بترويج فتنتها، وتنويع التمتع بها، وتنويع طرق التمتع بها بارتكاب الفاحشة الكبرى، الزنا، وبالوسائل المقربة إليه.
هذه الطرق المقربة من الفاحشة، المؤدية إلى الفاحشة، فاحشة الزنا ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾6 هذه الطرق منها تبرج النساء، وهذا إنما تفعله الجاهلات والفاسقات، تبرج النساء من أعظم المغريات بفتنة النساء، وكذلك الخلوة بالمرأة الأجنبية، وكذلك السفر بها.
ولهذا جاءت الشريعة بسد هذه الأمور، فنهت عن التبرج، ونهت عن الخلوة، وعن سفر المرأة بلا محرم، وقد استُغِلت في كل زمان المرأة لاصطياد الرجال، ولهذا جاء في الأثر: إن النساء حبائل الشيطان يصطاد بها الرجال، لأن الرجل أضعف ما يكون أمام المرأة إذا انساق مع هواه ومع شهوته، ولهذا يقول -سبحانه وتعالى- بعدما ذكر المحرمات قال: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾7
قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾8
وقد يقع الرجل في فتنة المرأة من جهة حبها وإن كانت زوجة، فإنه قد يحمله حبه لها على أن يطيعها في معصية الله، وينقاد لمراداتها، فيحصل له الضرر بسبب ذلك بسبب هواه وشهوته.
والأمر الآخر الذي ينال الرجال الضرر من هذه الفتنة -فتنة النساء- هو ظلم الرجال للنساء، لأن المرأة هي ضعيفة، يعني مع عظم فتنتها فهي ضعيفة، مع عظم فتنتها وعظم كيدها كما قال الله ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾9 فمع ذلك هي ضعيفة، كثيرا ما تتعرض المرأة من ظلم الرجال لها، من الأزواج أو الأولياء، فالرجال إذًا مبتلون بالنساء من جهة ضعفهن، ومن جهة محبتهن والرغبة في المتعة بهن كما تقدم.
فهذه فتنة النساء، وهذا هو طريق التضرر، يعني تعرض الرجال للمضرة بهذه الفتنة، والواقع شاهد ومصدق لما أخبر به -صلى الله عليه وسلم-، وفي إخباره -صلى الله عليه وسلم- بذلك تحذير من الوقوع في شباك هذه الفتنة، تحذير للرجال من الوقوع في شباك فتنة النساء، تحذير من التعرض للتضرر بهذه الفتنة، فيه تحذير للرجال « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء »1 يعني فاحذروا من فتنة النساء، قوا أنفسكم هذا الضرر بتجنب أسباب الضرر، فالضرر ليس من ذات المرأة، إنما هو من جهة عمل الرجل، وتعامله مع المرأة، مع النساء، إنما ينال الرجال الضرر بتعاملهم، بفعلهم، والعصمة المنجية من كل ذلك هي تقوى الله -سبحانه وتعالى-، فمن اتقى الله وقاه من شرور هذه الفتن، نعم.
1 : البخاري : النكاح (5096) , ومسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2741) , والترمذي : الأدب (2780) , وابن ماجه : الفتن (3998) , وأحمد (5/210). 2 : البخاري : النكاح (5096) , ومسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2741) , والترمذي : الأدب (2780) , وابن ماجه : الفتن (3998) , وأحمد (5/200). 3 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)، آية رقم:14 4 : سورة الروم (سورة رقم: 30)، آية رقم:21 5 : سورة النساء (سورة رقم: 4)، آية رقم:1 6 : سورة الإسراء (سورة رقم: 17)، آية رقم:32 7 : سورة النساء (سورة رقم: 4)، آية رقم:26 - 27 8 : سورة النور (سورة رقم: 24)، آية رقم:19 9 : سورة يوسف (سورة رقم: 12)، آية رقم:28
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:56 am | |
| حديث إن الدنيا خضرة حلوة
ولمسلم من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- « إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الله واتقوا النساء »1
--------------------------------------------------------------------------------
هذا الحديث متناسب مع ما قبله، الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث يصور الدنيا في نظر الناس، فهي محببة إلى النفوس، الدنيا المراد بها متع الدنيا وما في هذه الحياة من زخرف ومن زينة، وجماع ذلك المال الذي يتوصل به إلى سائر الحظوظ والمتع.
الدنيا حلوة خضرة، حلوة المذاق، ولهذا يطلب الناس منافع الدنيا، ويتفاخرون ويتكاثرون فيها ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾2 فهي حلوة خضرة، حلوة لذيذة مستلذة، فوصفها بالحلاوة كناية عن لذتها، فهي شهوات، الأموال بأنواعها كما في آية آل عمران ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾3 هذه كلها مستطابة ومستلذة للنفوس، تفرح بنيلها وتطلب الاستكثار منها.
وهي أيضا خضرة، هذا كناية عن بهجتها وزينتها، فتجد من أوتي من هذه الحظوظ تجده يتمتع بالنظر إلى ما أوتي من بساتين وحروث وأملاك، يتمتع بما أوتي من الخيل، من بهيمة الأنعام، من الإبل، يتمتع بالنظر إليها متعة، فهو يلذها، فهو يجدها يعني مناظر خلابة، الدنيا حلوة خضرة، وقد جاء في هذا الحديث إن هذا المال حلو خضر، المال نفس الشيء، وهو يشمل أنواع المال من الذهب والفضة وسائر المتمولات، ما يتموله الناس.
« وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون »4 مستخلفكم فيها: يعني جعلكم تخلفون من قبلكم، فهذه الدنيا لا تبقى وقفا على جيل معين، بل لا بد أن تنتقل الدنيا، أن تنتقل هذه الأموال وهذه المشتهيات، لا بد أن تنتقل من شخص إلى شخص أو إلى أشخاص، ومن جيل إلى جيل، فكل جيل يخلف من قبله، فتنتقل هذه الأمور انتقالا عاما وخاصا، فتنتقل بموجب الأحكام الكونية والقدرية، ينتقل المال من المورث إلى الوارث، وتنتقل في المجتمع الواحد ينتقل ما فيه من مظاهر الحياة ومن متع الحياة إلى من بعده.
« وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون »4 الله جعل العباد خلائف، يخلف بعضهم بعضا، فلا تدوم هذه الدنيا لأحد، لا تدوم، قائمة على التجدد والانقراض، انقراض وتجدد، ينقرض جيل ويتجدد جيل بعده إلى أن يأتي أجل الدنيا، فناظر كيف تعملون، فالله أخرج العباد لهذه الحياة وجعلهم خلائف لينظر أعمالهم موجودة مرئية له -سبحانه وتعالى-، وإلا فهو -سبحانه وتعالى- قبل أن يخلق الدنيا وقبل أن يخلق السماوات والأرض يعلم ما سيعمل العباد، يعلم أعمالهم، لكن يعلم أنهم سيوجدون، ويعلم أنهم سيعملون ما يعملون من خير وشر وطاعة ومعصية، لكن قضى بحكمته أن يخرجهم إلى الوجود لتظهر أعمالهم أيضا واقعا عمليا ظاهرا كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾5
فناظر كيف تعملون، إذن الله يبتلي العباد بهذه الدنيا وما فيها من حظوظ ومن شهوات ليختبر حالهم، وتظهر بذلك حقائقهم، يتميز المطيع من العاصي، فناظر كيف تعملون.
ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: « ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء »6
اللفظ الموجود عندكم "ألا فاتقوا الله" لكن الموجود في صحيح مسلم "فاتقوا الدنيا" فقد يكون هذا تصحيفا، وقد تكون رواية، لكن الموجود في صحيح مسلم واللفظ المشهور: « فاتقوا الدنيا واتقوا النساء »6 وهذا هو المناسب للسياق، ألا فاتقوا الدنيا، أما تقوى الله فهي المعنى الجامع، الوصية بتقوى الله هي وصيته تعالى للأولين والآخرين، وهي وصية نبيه لأمته، لكن في نصوص ومواضع أخرى، أما هذا الحديث ففيه الأمر باتقاء الدنيا، ألا فاتقوا الدنيا، اتقوا الدنيا: يعني توقوا شر هذه الدنيا، احذروا الاغترار بها، احذروا فتنتها، وذلك بأن تعملوا فيها بطاعة الله، لا يحملنكم حب الدنيا على معصية الله وتعطيل فرائضه، احذروها.
والله -تعالى- قد حذر من فتنة الدنيا في آيات ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾7 وصوّر حقيقة هذه الدنيا وضرب لها الأمثال ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ ﴾8 الآية ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾9 وفي الآية الأخرى ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾2 فالإنسان مبتلى بهذه الدنيا، فعليه أن يحذر من الاغترار بها، عليه أن يعمل فيها بطاعة الله، يعمل فيما أوتي منها بطاعة الله، فلا يحمله حب المال وحب الجاه على طلب ذلك بمعصية الله، ولا يحمله حب المال على أن يمنع ما أوجب الله عليه من الحقوق.
ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، وتخصيص النساء بالذكر لعظم الفتنة بهن كما دل عليه الحديث المتقدم، فكأن المعنى: اتقوا فتن الدنيا وشهوات الدنيا كلها، فتنة المال، وفتنة الولد، وفتنة الجاه، واتقوا فتنة النساء، لأن فتنة النساء هي أعظم فتنة من هذه الشهوات، هذه الشهوات كلها فتن، مَن انساق فيها مع هواه وشهوته دون أن ينضبط بشرع الله كان ما أوتي منها شرا عليه، ومَن استقام فيها على طاعة الله، ووقف في هذه الدنيا عند حدود الله نجا من شرور هذه الفتن.
وبعد الوصية باتقاء فتنة الدنيا أو فتن الدنيا خص النساء بقوله: « واتقوا النساء »10 وهذا معلل بالحديث المتقدم، فكأن المعنى: اتقوا النساء، لأنها أضر الفتن، لأنها أضر الفتن على الرجال، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، نعم والله أعلم، بعده.
1 : مسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2742) , والترمذي : الفتن (2191) , وابن ماجه : الفتن (4000) , وأحمد (3/61). 2 : سورة الحديد (سورة رقم: 57)، آية رقم:20 3 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)، آية رقم:14 4 : مسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2742) , والترمذي : الفتن (2191) , وابن ماجه : الفتن (4000) , وأحمد (3/61). 5 : سورة التوبة (سورة رقم: 9)، آية رقم:105 6 : مسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2742) , والترمذي : الفتن (2191) , وابن ماجه : الفتن (4000) , وأحمد (3/61). 7 : سورة فاطر (سورة رقم: 35)، آية رقم:5 8 : سورة يونس (سورة رقم: 10)، آية رقم:24 9 : سورة الكهف (سورة رقم: 18)، آية رقم:45 10 : مسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2742) , والترمذي : الفتن (2191) , وابن ماجه : الفتن (4000) , وأحمد (3/61).
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:57 am | |
| حديث فتن كرياح الصيف
وله « عن حذيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي ألا يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسر إليّ في ذلك شيئا لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يعد الفتن: منهن ثلاثا لا يكدن يذرن شيئا، ومنهن فتن كرياح الصيف، منها صغار ومنها كبار، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري »1 --------------------------------------------------------------------------------
حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- الصحابي الجليل معروف بخصوصية، وهي أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يفضي إليه ببعض الأمور، ويسر إليه، كما كان يخبره يعني ببعض المنافقين، فهو يعلم من أحوال بعض الناس ونفاق بعض المنافقين ما لا يعلمه غيره، وكان من شأنه -رضي الله عنه- أنه يهتم بمعرفة الشر كما في قوله: « كان الناس يسألون الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني »2 فلهذا كان له عناية بمعرفة ما سيكون من الفتن، ولهذا عمر في الحديث الصحيح يسأله عن الفتنة العظمى التي تموج كموج البحر.
وهنا في هذا الخبر يقول: إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين قيام الساعة، وليس ذلك لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- خصني بهذا العلم، فقد حدثنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- عن الفتن، كنا معه في مجلس، يعني هو وغيره، معه جماعة، ولكن الذين كانوا معه في هذا المجلس قد ذهبوا وانقرضوا، إذن فهذا هو سر تفرده بهذا العلم، سر تفرده أن الذين سمعوا ذلك قد ذهبوا قبله، فهذا هو سر تفرده بهذا العلم.
فذكر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدثهم عن الفتن، وأن منها ثلاث كبريات، ولكن لم يبين لنا، وهناك فتن صغار، وحقا إن الفتن متفاوتة، بعضها أعظم من بعض، والفتن -كما تقدم- يحتمل أن المراد يعني جنس الفتن، فتنة المال، وفتن يعني الجاه والسلطان، وفتن المصائب التي تنزل بالناس من الأوبئة النازلة، يحتمل، لكن كأن السياق والأظهر فيها أنها فتن الفتن التي تكون بين الناس، فتن تكون بين الناس، وهي فتن النزاعات والحروب كما تقدم، إن أولى تلك الفتن ثورة المنافقين والفاسقين وأصحاب الأهواء على خليفة المسلمين، الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه-، ثم ما نشأ عنها وما تبعها من الفتن.
فالمقصود أن حذيفة -رضي الله عنه- لم يعين لنا نوع تلك الفتن، ولم يعرفها، ولم يحدد لها تواريخ، إنما ذكر أن الفتن ستكون فتنا كثيرة، ومنها صغار، ومنها كبار، وأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- خص بالذكر منها ثلاثا، وعلى الإنسان أن يقرأ التاريخ، ويقرأ الواقع، ويشهد ويتأمل، ويعتبر ويتفكر في ماضي الزمان، وفي تأريخ الناس، ماذا جرى عليهم من الأمور والمحن والفتن والحروب التي لا يتميز فيها المحق من المبطل، وهذه الحروب العمياء تارة يكون كل من الأطراف مبطلا وظالما، وأحيانا يكون كل من الأطراف يعني مجتهدا، والمجتهد إما أن يكون مخطئا وإما أن يكون مصيبا، وعلى المسلم أن يتجنب هذه الفتن كلها، ويعتزل هذه النزاعات، نعم أعد الحديث، حديث حذيفة.
وله عن « حذيفة قال: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة »3
أعلم الناس: يعني في وقت تحديثه لدلالة آخر الكلام، أعلم الناس يعني في وقت تحديثه بهذا الحديث، لأن الذين سمعوا معه ذلك الحديث قد ذهبوا، نعم، بعده.
وما بي ألا يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسرّ إلي في ذلك شيئا لم يحدث به غيري.
يعني هو يقول أنا لا أدعي أن الرسول أسر إلي بشيء من خبر هذه الفتن لم يحدّث به غيري، نعم.
ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن « فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يعد الفتن: منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا »4 منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا، كأنها فتن عظيمة تعم، وتستأصل يعني خلقا كثيرا، أو أنها فتن تعم الناس، وينال كل أحد من شرها، منهن ثلاث لا يتركن أو لا يذرن شيئا إلا نلنه بشيء من آثارها وشرها وأضرارها، والله أعلم.
« ومنهن فتن كرياح الصيف »5 يعني تأتي سريعة، تأتي سريعة وتذهب، نعم.
منها صغار ومنها كبار، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري.
1 : مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2891) , وأحمد (5/388). 2 : البخاري : المناقب (3606) , ومسلم : الإمارة (1847) , وأبو داود : الفتن والملاحم (4244) , وأحمد (5/386). 3 : مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2891) , وأحمد (5/388). 4 : مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2891) , وأحمد (5/388). 5 : مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2891) , وأحمد (5/388).
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:58 am | |
| حديث أخبرني رسول الله بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة
وله عنه -رضي الله عنه- قال: « أخبرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء إلا قد سألته، إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة »1
--------------------------------------------------------------------------------
هذا الحديث متصل في المعنى بالذي قبله، فهو يروي أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قد أخبره بما هو كائن إلى قيام الساعة، يعني أخبره وغيره، والذي يظهر أن هذا العموم مقيد بمضمون الحديث المتقدم، يعني أخبره بما هو كائن من الفتن، هذا هو الظاهر، ليس المراد أنه أخبره بكل ما يكون يوم القيامة من جميع الأمور، فالذي يرى حمل هذا العموم وهذا الإجمال في هذا الحديث على مضمون الحديث المتقدم، وأن إخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس إخبار إسرار، بل أخبره هو وغيره، كما بين ذلك في الحديث السابق، يقول: وما من شيء إلا وسألته عنه، إلا أني لم أسأله ما الذي يُخرِج أهل المدينة من المدينة، وهذا يقتضي أن الرسول أخبر أن الناس يخرجون من المدينة ويهجرونها، يخرجون منها، فهو لم يسأل ما الذي يخرجهم، فهذا هو ظاهر الحديث.
ولعله يأتي ما يبين هذا الإبهام وهذا الإجمال فيما يتعلق بخروج أهل المدينة، والناس قد خرجوا من المدينة، الصحابة خرجوا في أيام الفتوح، خرجوا منها إلى مختلف الأقطار، يعني بسبب الجهاد في سبيل الله، وخرج منها مَن خرج بعد ذلك من الناس بسبب يعني اتساع البلاد، والناس مجبولون على التنقل، وطلب رفاهية العيش، وقد انتقلت الخلافة من عهد علي -رضي الله عنه-، انتقلت من المدينة، وقد جرت العادة أن الناس يفدون ويتكاثرون حول مركز الولاية ومركز الخلافة، وهو ما يسمى مثلا في هذا الوقت بالعاصمة، هذا أمر محسوس ومعروف، نعم، بعده.
1 : مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2891) , وأحمد (5/386).
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 11:59 am | |
|
حديث أخبرنا بما كان وما هو كائن فأعلمنا أحفظنا
وله عن أبي زيد -رضي الله تعالى عنه- قال: « صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى بنا، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا »1
--------------------------------------------------------------------------------
الله المستعان، في هذا الحديث « أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى الفجر، ثم صعد المنبر، فخطب حتى الظهيرة، حتى جاء وقت الظهر، فنزل فصلى الظهر، ثم عاد وخطب إلى أن صلى العصر، حتى جاء العصر فنزل وصلى، ثم عاد وخطب، قال: فأخبرنا بما كان وما هو كائن »2
وهذا لا يلزم منه أنه أخبرهم بكل شيء، فلكل مقام مقال، ألفاظ العمومات تحمل على ما يناسب المقام مثل ما قال العلماء في لفظ كل يقولون: كل في كل مقام بحسبه، عموم كل في كل مقام بحسبه، لكنه يدل على أن الرسول أخبرهم بأمور عظيمة من الماضي والآتي، يعني أخبرهم عن بدء الخلق، قصة بدء الخلق، وعن أمور تتعلق بالأنبياء.
فالكلام فيه إجمال شديد، ولم يصرح الراوي بشيء مما سمعه من الرسول -عليه الصلاة والسلام- مما كان أو يكون، ما صرح لنا بشيء، لكنه أخبرنا بأن الرسول تحدث طويلا، خطب طويلا، وهذا لا بد أنه قد أخبر بأمور كثيرة في هذا الوقت من الفجر إلى المغرب،
أقول: ولعل هذا كان في آخر أيامه -عليه الصلاة والسلام- يعني لمزيد البلاغ والبيان، وتبصير الناس بما سيكون ليأخذوا أنفسهم بأسباب النجاة من الأخطار.
يقول الراوي: فأعلمنا أحفظنا، يعني الذين استمعوا متفاوتون في الحفظ، فأعلمنا بما أخبر به -عليه الصلاة والسلام- في هذه المقامات هو أحفظنا، فمن كان أحفظ كان عنده من علم هذه الأخبار ما ليس عند غيره، وقد جرت سنة الله بأن الناس يتفاوتون في الحفظ، فيحضر الناس الخطبة الواحدة والمجلس الواحد، ويسمعون فيه أمورا كثيرة، فمنهم من لا يحفظ شيئا، ومنهم من يحفظ بعضا، فلهذا يقول الراوي: فأعلمنا أحفظنا.
وقد جاء هذا المعنى عن عمر -رضي الله عنه- « وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس وحدثهم حتى دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار »3 أخبرهم بما هو كائن حتى دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه، سبحان الله !
ولكن قد ضمن الله -سبحانه وتعالى- حفظ كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فكل ما للناس ما يتوقف أمر الدين عليه فهو محفوظ، فدين الله باق ومحفوظ، كل ما لا بد للناس منه فهو باق ومحفوظ، ما لا بد للناس منه في إقامة دينهم فإنه محفوظ بحفظ كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ثم إن هذا الكلام المجمل وهذه الأخبار يمكن أن يكون كثير منها هو ما رواه الصحابة متفرقا، يعني روي لنا متفرقا، يعني ما عندنا خبر واحد يتضمن كل ما قاله الرسول في هذه المقامات، لكن الصحابة رووا لنا يعني أخبارا كثيرة، لكن متفرقة، ممن كان وما يكون، مثل أخبار الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، مثل ما أخبر عن أشراط الساعة، عن الدجال، عن يأجوج ومأجوج، عن نزول المسيح، عن أمور كثيرة من أشراط الساعة، وعن أمور القيامة، ما يكون يوم القيامة من الحساب والعرض والميزان والصراط والحوض، كل هذه الأمور المستقبلية، فرواها الناس متفرقة، لم يرووا لنا يعني نصوصا طويلة متصلة، رووها متفرقة.
وهذا يحصل، كما رووا أيضا أحاديث الأحكام متفرقة، الرسول أمر بأوامر كثيرة، فرواها الصحابة، من الأحاديث ما يرويه الجم الغفير من الصحابة، ومنها ما يرويه جماعة، ومنها ما يرويه دون ذلك، ومنها ما يرويه الواحد، المهم أنه حصل البلاغ.
وبعد تدوين السنة -ولله الحمد- أصبحت هذه الأخبار يعني موجودة في هذه الأصول، وفي هذه المراجع، فنجد كثيرا من هذه الأحاديث الصحيحة في هذه الأمهات في الصحاح، وفي مقدمتها الصحيحان البخاري ومسلم، كما نجد فيها أحاديث القيامة، وأخبار القيامة، وأخبار أشراط الساعة، كل هذا لعله أو بعضه تفصيل لما أجمله الصحابي في هذا الحديث.
ويفيد هذا الحديث أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان أحرص ما يكون على البلاغ والبيان، فلم يزل -عليه الصلاة والسلام- يبلّغ ما أنزل إليه من ربه، وينصح لأمته، في مجالسه معهم، وفي خطب يلقيها كخطبة الجمعة والعيدين، وفي خطبة حجة الوداع، وفي خطب عارضة كما هنا، لأن هذه الخطبة المذكورة في هذا الحديث هذه الخطب في ذلك اليوم خطبة عارضة، يعني أراد -عليه الصلاة والسلام- أن يبلغ الناس كثيرا من الأمور مما لعله قد بيّنه من قبل، وقد يكون من ذلك أمور لم يخبرهم فيها إلا في ذلك المقام، والله أعلم، نعم، أعد الحديث السابق.
وله عن أبي زيد -رضي الله عنه- قال: « صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى بنا، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا »1 حسبك، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
أحسن الله إليكم، وهذا سائل فضيلة الشيخ يقول: هل يُفهم من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من الناس »4 أن أثر المرأة على الرجل أشد من أثر الرجل على المرأة؟
نعم، وهو كذلك، صحيح، هذا أمر يعني واقع، فتنة الرجال بالنساء أعظم من فتنة النساء بالرجال، ولهذا يعني الجاري في الواقع الرجل هو الذي يطلب المرأة، هذا هو الأصل والغالب والعام، هو الذي يطلبها، يعني سواء كان بالحلال أو بالحرام، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: يطالب بعض طلاب العلم بأن تكون زوجته صحابية، ويؤدي بها إلى أن ينتقدها في تصرفاتها، بل البعض منهم يؤدي بها إلى أن يخرج من بيته كثيرا، ويهمل في تربية أولاده، فهل هذا من ظلمهن؟
نعم، من ظلمهن، يعني مطالبة الرجل لامرأته بالكمال، هذا غلط، لأن هذا لا يكاد، لا الرجل ولا المرأة، لا يمكن يعني أن يبلغ الإنسان الكمال بحيث أنه لا يخطئ، بحيث لا يحصل منه نقص ولا تقصير أبدا، هذا طلب مستحيل، ولا سيما من المرأة بالذات، لأن المرأة ناقصة كما في الحديث، ناقصة عقل ودين، والرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم، يعني أسيرات وقال: « إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، يقول: فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها »5 فلا يمكن أن تستقيم الحياة الزوجية إلا بالتسامح من الطرفين، والرجل أولى وأحق بأن يغض الطرف، ويتسامح عن الهنات، وعن التقصير في المطالب المتعلقة بتدبير المنزل، أو المطالب المتعلقة بحال المرأة وعشرتها لزوجها، لا تستقيم الحياة إلا بأن يسود التسامح بين الزوجين ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾6 هذه وصية جامعة.
وقول السائل: إنه يريد أن تكون صحابية، هل الصحابية أيضا تصل إلى درجة الخروج عن الطبيعة البشرية؟ لا، الصحابة والصحابيات كلهم بشر، يقع من بعضهم الخطأ على بعض، بشر، يحصل بينهم بعض ما يكون، أشرف وأفضل البيوت بيوت الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك يكون هناك بعض الغيرة بين نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، تكون منهن غيرة، ويحصل منهن شيء يعني مما لا ينبغي في مخاطبة الرسول، أو يعني في الأمور العادية الزوجية، كما في الحديث الصحيح، اقرءوه في البخاري، يعني يذكر عمر -رضي الله عنه- أن حفصة تقول إنها ربما هجرت الواحدة منهن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الليل، تهجره في طوال ذلك اليوم، بمعنى أنها لا تبتدئ الكلام، ليس معناه أنها تهجره، لا تكلمه، ولا ترد عليه السلام، لا، الرسول لما أغضبه النساء بمطالبته بمزيد شيء من النفقة، هذه الأمور طبيعية بشرية، لما كان بينه منهن شيء من ذلك آلى من نسائه شهرا -صلى الله عليه وسلم-.
فالمقصود أن هذا خيال، من يطلب من امرأته الكمال فهو سارح في ميدان الخيال، ثم إن الواجب على الرجل أن يؤدي الحقوق، ليس للرجل أن يأتي لأهله ولبيته متى شاء وكيف شاء، لا بد أن يرعى زوجته، ليس له أن يسهر كيف شاء، يعني كأنه أعزب، كثير من النساء يشتكين من هذا التعامل، ومن هذه العشرة، وقد يحصل شيء مثل هذا من طلاب علم، ومن ناس يُعرفون أو يشار إليهم بالخير والصلاح، وهذا من الخلل الذي يقع فيه كثير من الشباب، ومن الرجال الصالحين، تجده يعني مصليا وصائما متطوعا، لكنه يكون مقصرا في الحقوق، يكون مقصرا في حق والديه، مقصرا في حق أهله، في حق زوجته وأولاده، فالحذر الحذر، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: خرجت بعض الكتب تحدد بالوقت، وتنزل بالأحاديث بأنه سيكون في زمن كذا كذا وكذا، فهل هذا صحيح؟
هذا لا يصح الجزم بشيء من ذلك، أما إذا قيل لعله ربما كان هذا هو المقصود، أما الجزم بأن هذا هو المراد مما أخبر به -عليه الصلاة والسلام- إلا إذا قامت الأدلة على ما يقول، إلا إذا قامت الأدلة الموجبة للقطع بأن هذا هو المراد، ستأتي أمور يُعلم بالضرورة أن هذا هو ما أخبر به -عليه الصلاة والسلام- كما أخبر -عليه الصلاة والسلام- بأنه « ستظهر نار في المدينة، أو عند المدينة، ستظهر نار بأرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى »7 هذه النار ظهرت، وأطبق العلماء فيما يظهر أطبقوا على أنها هي النار المذكورة في الحديث، ظهرت هذه النار في عام ستمائة وأربع وخمسين، ظهرت في المدينة وطار خبرها، وسطع نورها، ووصل أقطارا بعيدة، وذكر المؤرخون أنه رُئي ضوء هذه النار بالشام، والله أعلم، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: يكثر في هذا الزمان قول بعضهم إذا أخطأ غيره أو أخطأ قال: هذا اجتهاده، ويعذر بذلك، فهل لكل مسلم -كائنا من كان- أن يجتهد في أي مسألة ويعذر بذلك؟
ليس لكل أحد أن يجتهد، الإنسان ليس حرا، عليه إن كان يعني لديه المعرفة بالأدلة معرفة وفهما، فنعم، أما إذا كان عاميا أو شبه عامي، فليس له أن يجتهد ويقول هذا رأيي، أو هذا اجتهادي، أو من المبتدئين، يعني كبار العلماء، يعني العلماء وإن تقدموا يبحثون ويسألون، ويسأل بعضهم بعضا، أما أن يستبد الإنسان برأيه، ويستبد بفهمه القاصر، فهذا من الغرور، ومن تلبيس الشيطان، على الإنسان أن يسأل ويتعرف، ويجتهد في العلم، يجتهد في السؤال، يجتهد في البحث، لا يستبد برأيه وهواه وما يحلو له، وما يعجب به من الآراء والمذاهب، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: إذا كثر في هذا الزمان الفتن، فهل يجوز لمن يخشى على نفسه الافتتان أن يدعو الله أن يتوفاه عملا بحديث صاحب القبر الذي يتمرغ عليه؟
لا، حديث صاحب القبر الذي يمر على القبر ويتمرغ عليه ويقول: يا ليتني مكانه، وما به إلا الفتن، أو كما في الحديث، هذا إخبار بواقع، لا يدل على حكم.
الخليعة والقنوات الهابطة من الفتن، وما موقف المسلم منها؟
الله المستعان، إي والله إنها من الفتن، وهي تنشر أنواع الفتن، ومنها فتنة النساء، يعني الإعلام بكل قنواته هو الآن مما يقوم ويرتكز على فتنة النساء، أعظم ما يرتكز عليه الإعلام هو فتنة النساء، ولهذا يقحمون النساء في كل شيء، ترونها في المجلات، في الصحف، صور النساء، وتُنتَقَى الصور الجميلة وتُلَوَّن، وهكذا في الإعلام المرئي والمسموع، المرأة هي المحور والعنصر الأقوى في جميع وسائل الإعلام، مع ما يقذف به من أنواع الفتن الأخرى، الإغراء بالدنيا، بتزيين الدنيا، مع ما أيضا يبثه من الشبهات، شبهات الباطل التي تشكك في حقائق الدين، وفي أحكام الشريعة، وفي مسائل الدين العلمية الاعتقادية والأحكام العملية.
فوسائل الإعلام هي منابر وقنوات لإشاعة أنواع الفتن التي أعظمها أو من أعظمها فتنة النساء، نكتفي.
أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 : مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2892) , وأحمد (5/341). 2 : مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2892) , وأحمد (5/341). 3 : 4 : البخاري : النكاح (5096) , ومسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2741) , والترمذي : الأدب (2780) , وابن ماجه : الفتن (3998) , وأحمد (5/200). 5 : البخاري : أحاديث الأنبياء (3331) , ومسلم : الرضاع (1468) , والترمذي : الطلاق (1188) , وأحمد (2/530) , والدارمي : النكاح (2222). 6 : سورة الأعراف (سورة رقم: 7)، آية رقم:199 7 : البخاري : الفتن (7118) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2902).
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 12:00 pm | |
|
حديث إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان عليه أن يدل أمته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-: وله عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جُعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تُنْكَر، فتجيء فتنة، فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يُزحزَح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإذا جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر »1
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
هذا حديث عظيم اشتمل على أمور، فهو عدة أحاديث في حديث واحد، يقول -رضي الله عنه- عبد الله بن عمرو بن العاص: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم »2 هذا واجب الرسل، وهذه هي الغاية من إرسالهم، الغاية من إرسال الرسل دلالة الخلق على ما فيه نجاتهم ,
وفلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وإنذار الخلق مما فيه شقاؤهم وهلاكهم في الدنيا والآخرة، فهذا حق عليهم، حق أوجبه الله عليهم، وواجبهم هو البلاغ، الدلالة، أما الهداية والاستجابة فذلك إلى الله، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾3 هذا هو المطلوب منه، البيان، ليبين لهم طريق الخير وطريق الشر، يبين لهم ليدلهم على خير ما يعلمونه، وينذرهم شر ما يعلمونه، ﴿ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾3 ﴿ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴾4 ﴿ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾4 ﴿ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴾5
وأكمل الرسل في هذا هو نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-، أكمل الرسل في هذه الدلالة وفي هذا الإنذار هو الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد دل أمته على كل خير، وحذرهم من كل شر، فقد بلّغ البلاغ المبين كما أمره ربه ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾6 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾7
فما دل عليه -صلى الله عليه وسلم- أمته من الخير هو أعظم وأشمل وأكمل مما دل عليه الأنبياء قبله، وذلك لكمال شريعته وشمولها، لأنها الشريعة العامة لجميع البشر، والشريعة الباقية إلى قيام الساعة، فرسالة محمد -عليه الصلاة والسلام- ليست كسائر الرسالات، رسالة عامة، وهذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، كان النبي يبعث إلى القوم خاصة، وأما نبينا فبُعث إلى الناس عامة.
ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: « وإن أمتكم هذه هي الأمة المحمدية، جُعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تُنكَر »8 جعلت عافيتها في أولها، العافية: السلامة من الشرور، في عافية البدن والعافية في الدين، فإذا دعا العبد وقال: أسألك العفو والعافية، فلا ينصرف فكره إلى عافية البدن، بل الجميع، يسأل ربه العافية في دينه وفي بدنه، في دينه ودنياه، « جعلت عافيتها في أولها »9 في أولها، الآخرية والأولية أمور نسبية، ليس عندنا تحديد لأول هذه الأمة الموعودة بهذه العافية، وكذلك الآخرية، لكن هذا نفهمه مجملا، نفهمه على سبيل الإجمال، فنعلم أن أول هذه الأمة خير من آخرها، فما في أولها من خير واستقامة وصلاح الحال أعظم وأكثر مما في آخرها، والبلاء والشر في آخر هذه الأمة أكثر منه في أولها، هذا ما نستفيده من هذا اللفظ المجمل.
ويمكن أن نفسر أو نقرب قوله -صلى الله عليه وسلم-: « وإن أمتكم هذه جُعلت عافيتها في أولها »10 يمكن أن تفسر هذه الأولية بالقرون الفاضلة كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود، وحديث عمران ابن حصين -رضي الله عنه- أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: « خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم »11
قال عمران: فلا أدري هل أذكر بعد قرني قرنين أو ثلاثة. فالمحقق ثلاثة، فلعل هذه القرون الفاضلة هي الموعودة بالعافية، هي التي فيها العافية، ونعلم أن هذه ليست عافية مطلقة، ليست عافية مطلقة، لأنه وقع في هذه القرون في أواخر عهد الصحابة، وبعد عهد الصحابة وبعدهم حدثت أمور وشرور وفتن، لكن مع ذلك فالخير في هذه القرون أو أعظم مما بعدها، فهذه الخيرية لهذه القرون لعله هو المعبر عنه بالعافية في هذا الحديث، والله أعلم.
ويصيب هذه الأمة في آخرها بلاء، شرور وبلاء وفتن، وفعلا اقرءوا التاريخ، الخير باق، الخير باق، لكن الشأن في نسبة ما يكون من خير، تأملوا، اقرءوا التاريخ تجدون الأمور الهائلة والعجب العجاب من الفتن، الفتن الفكرية بالبدع والمحدثات العظام، والفتن بالحروب والقتال والتطاحن والتناحر، إما نزاعا على سلطة، وإما انتصارا ودعوة لمذاهب بدعية وإلحادية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فتجيء الفتنة في الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم-: « تجيء الفتنة فيرقق بعضها البعض »12 الذي يظهر -والله أعلم- لفظ الفتنة هنا كأنه جنس، تجيء الفتن يرقق بعضها البعض، يهون بعضها بعضا، الفتنة إذا جاءت ثم جاءت فتنة أكبر منها، يعني كانت الأولى أهون، وإن جاءت فتنة كبرى ثم جاءت التي بعدها خفيفة، دونها، كانت كذلك، يرقق بعضها بعضا، يعني: يهون بعضها بعضا.
« تجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضا، فتجيء الفتنة من تلك الفتن فيقول المؤمن: هذه مهلكتي »12 يظن ويتوقع أنه لا ينجو من شرها، لا ينجو من شر هذه الفتنة، المعنى المفهوم أو المعنى العام للفتنة يمكن أن تكون فتنة حرب وتطاحن، وقد تكون فتنة دعوة ضلال تعم الناس، وتشيع بين الناس، وينجذب إليها كثير من الناس، فيقول المؤمن وهو يخاف على نفسه: هذه مهلكتي، يخاف، يخشى أن يهلك مع من هلك، وتجيء الفتنة، يعني تنكشف وينجو من شرها المؤمن، فتأتي فتنة أخرى فيقول: هذه هذه، هذه هذه، يعني: هذه مهلكتي، فهذا هو البلاء، هذا هو البلاء والأمر المنكر الذي يكون ويبتلى به آخر هذه الأمة.
قال -صلى الله عليه وسلم-: « فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه »13 هذا هو طريق النجاة، هذا هو طريق النجاة، ومرتكز هذا الطريق هو الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا هو الطريق للنجاة من الفتن، هو الثبات على الحق، القيام بما أوجب الله، من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة ويكون مع الفائزين ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾14 فمن أحب أن يكون مع الفائزين، أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، يعني: فليستقم على دين الله، وليعتصم بحبل الله، أمام هذه الفتن، وفي خضم هذه الفتن، ليستقم على دين الله، ليكون قائما بالحق، ناصرا للحق، منكرا للباطل.
فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، يعني: ليستقم على دين الله قائما بما أوجب الله حتى يأتيه الموت وهو على ذلك، كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾15 فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ليستقم على الإيمان حتى إذا جاءه الموت وهو على ذلك، وليؤت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه.
فاشتملت هذه الوصية على القيام بحق الله، وهو ما تُرجم له بالإيمان به وباليوم الآخر، والقيام بحقوق الخلق في معاملة الخلق، عامِلْ الناس بما تحب أن يعاملوك، أدِّ إليهم حقوقهم مما يجب لهم، ومن الكمال أن تؤدي إليهم أيضا ما يستحب لهم، وما أحسن هذا! مَن عامل الناس هذه المعاملة كان عادلا، هذا هو العدل، فالناس في التعامل فيما بينهم.
معاملة الناس بعضهم البعض تدور بين الفضل والعدل والظلم، فمن أدى الحقوق التي عليه للآخرين واستوفى حقوقهم كان عادلا، ومن أدى ما عليه وتسامح في حقوقه كان ذلك منه فضلا، ومن استقصى في حقوقه ومنع ما عليه من حقوق كان ظالما، مثل الذين قال الله فيهم: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾16 في حقه يستوفيه كاملا، أما حقوق الناس فإنه يبخسها ويجحدها، هذا هو الظلم.
وليؤت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، قال -صلى الله عليه وسلم-: « ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع »17 هو كقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾18 يعني: بقدر استطاعته، وحسب استطاعته، من بايع إماما: يعني على الإمامة والولاية، بايعه إماما ليكون إماما عليه، والبيعة عهد، فأعطاه صفقة يده، لأن البيعة جرت العادة أن المبايعة يعبر عنها وتؤدى بالمصافحة باليد توثيق للعقد، كما يحصل هذا في البيع العادي، في بيع السلعة، ولهذا يضرب البائع على يد المشتري والمشتري على يد البائع، لهذا يسمى عقد البيع صفقة.
فأعطاه صفقة يده، توثيق وتحقيق للمبايعة، وأعطاه ثمرة قلبه، يعني الأصل أنه بايعه صادقا، أما من يبايع كاذبا فهذا قد انطوى على الشر، وعلى الخبث، وعلى الخيانة، لكن الذي يبايع صادقا يكون ظاهره كباطنه، فيبايع بيده ويبايع بقلبه، يعني ينوي الوفاء، ينوي الطاعة بالمعروف، ينوي السمع والطاعة بالمعروف.
« فليطعه ما استطاع »19 كل الواجبات منوطة بالاستطاعة، والمقصود فليطعه بالمعروف، كما قيدت الطاعة كطاعة الأئمة بذلك في الأحاديث الصحيحة « إنما الطاعة في المعروف »20 وكذلك في الحديث الصحيح « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق »21 على المرء المسلم السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
إذن هذا الحديث مقيد فيما ليس بمعصية، مخصوص بما ليس بمعصية.
« فليطعه ما استطاع »19 فإن جاء آخر بعدما تم الأمر لهذا الإمام، واجتمعت عليه الكلمة، إذا جاء آخر ينازعه ويريد أن يكون له الأمر، فاقتلوا الآخر، أو فاضربوا عنقه، فاضربوا عنقه، لأنه يجر بهذه الدعوة وهذه المطالبة، يجر بهذه المنازعة يجر الأمة إلى الفساد العريض، لأن الأول لن يطرقه، ولن يتنازل له، ولم يستسلم له مجانا، فلا بد أن تكون الفتنة، هذه المنازعة تجر إلى الفتنة، سفك الدماء وحدوث الفوضى في الأمة، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر.
وفي الحديث الآخر الصحيح « إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخِر »22 الآخر: الثاني لأن هو الذي دخل، بويع للأول انتهى، ثم جاءت جماعة أخرى فبايعت لآخر، لا، فاقتلوا الآخر منهما، الآخر هو الطالب، الآخر هو الذي تنشأ عنه الفتنة، وهو منشأ النزاع، فاقتلوا الآخر منهما، هذا يتطابق مع قوله: « فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنقه »23 فهذا حديث -كما ترون- مشتمل على منهج عظيم، منهج، أولا: تتضمن الخبر عن هدي الأنبياء في معاملتهم لأممهم، ونصحهم لأممهم، فالأنبياء هم أنصح الخلق للخلق، وكذلك أتباع الأنبياء، أتباع الأنبياء كذلك هم أنصح الخلق للناس، لأنهم مقتدون بأنبياء الله، وسائرون على طريقهم.
وفي هذا الحديث خبر عما يجري لهذه الأمة، وعن حال هذه الأمة وما يجري لأولها وآخرها، وفيه الوصية بما يجب التحقق به ولزومه والثبات عليه في هذه الأحوال وهذه الفتن.
وهذا الحديث كما يظهر أنه حديث واحد متصل، فذِكْر البيعة والطاعة والتزام ببيعة الأول، هذا يشعر بأن الفتن المذكورة في الحديث هي فتن النزاعات على السلطة، والنزاعات على السلطة تجر إلى فتن كثيرة، تجر أيضا إلى فتن فكرية وعقدية وخلقية، لأنه إذا حدثت الفوضى أمكن كل واحد يفعل ما يشاء، من المجرمين، من قطاع الطريق من اللصوص، وكذلك أصحاب الأفكار والدعوات، كلٌ يتمكن من مراده، لأنه ليس هناك قيادة ولا إمرة توقف هذه العناصر الشريرة عند حدها، ولهذا جاءت الشريعة الحكيمة لوجوب السمع والطاعة ولو كان الوالي ظالما أو عاصيا أو فاسقا، لأن قيام الولاية واستقرار الأمور، وإن كان لا يخلو من شر، وقد يكون شرا كبيرا، فهذا الشر محتمل في جانب الشر الذي ينشأ عن الفوضى، والله أعلم.
1 : مسلم : الإمارة (1844) , والنسائي : البيعة (4191) , وابن ماجه : الفتن (3956) , وأحمد (2/191). 2 : مسلم : الإمارة (1844) , والنسائي : البيعة (4191) , وابن ماجه : الفتن (3956) , وأحمد (2/191). 3 : سورة إبراهيم (سورة رقم: 14)، آية رقم:4 4 : سورة النحل (سورة رقم: 16)، آية رقم:35 5 : سورة الشورى (سورة رقم: 42)، آية رقم:48 6 : سورة المائدة (سورة رقم: 5)، آية رقم:67 7 : سورة الأحزاب (سورة رقم: 33)، آية رقم:45 - 49 8 : مسلم : الإمارة (1844) , والنسائي : البيعة (4191) , وابن ماجه : الفتن (3956) , وأحمد (2/191). 9 : مسلم : الإمارة (1844) , والنسائي : البيعة (4191) , وابن ماجه : الفتن (3956) , وأحمد (2/191). 10 : مسلم : الإمارة (1844) , والنسائي : البيعة (4191) , وابن ماجه : الفتن (3956) , وأحمد (2/191). 11 : البخاري : الشهادات (2652) , ومسلم : فضائل الصحابة (2533) , والترمذي : المناقب (3859) , وابن ماجه : الأحكام (2362) , وأحمد (1/434). 12 : مسلم : الإمارة (1844) , والنسائي : البيعة (4191) , وابن ماجه : الفتن (3956) , وأحمد (2/191). 13 : مسلم : الإمارة (1844) , والنسائي : البيعة (4191) , وابن ماجه : الفتن (3956) , وأحمد (2/191). 14 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)، آية رقم:185 15 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)، آية رقم:102 16 : سورة المطففين (سورة رقم: 83)، آية رقم:1 - 3 17 : مسلم : الإمارة (1844) , والنسائي : البيعة (4191) , وأبو داود : الفتن والملاحم (4248) , وابن ماجه : الفتن (3956) , وأحمد (2/191). 18 : سورة التغابن (سورة رقم: 64)، آية رقم:16 19 : مسلم : الإمارة (1844) , والنسائي : البيعة (4191) , وأبو داود : الفتن والملاحم (4248) , وابن ماجه : الفتن (3956) , وأحمد (2/191). 20 : البخاري : الأحكام (7145) , ومسلم : الإمارة (1840) , والنسائي : البيعة (4205) , وأبو داود : الجهاد (2625) , وأحمد (1/82). 21 : أحمد (1/131). 22 : مسلم : الإمارة (1853). 23 : مسلم : الإمارة (1844) , والنسائي : البيعة (4191) , وأبو داود : الفتن والملاحم (4248) , وابن ماجه : الفتن (3956) , وأحمد (2/161).
| |
| | | alyaqeen عضو مميز
عدد المساهمات : 313 تاريخ التسجيل : 23/02/2011 العمر : 31 الموقع : شبكة اسلامنا
| موضوع: رد: بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! الثلاثاء مارس 15, 2011 12:02 pm | |
| حديث من كره من أميره شيئا فليصبر عليه
ولهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « من كره من أميره شيئا فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية »1
--------------------------------------------------------------------------------
يقول ولهما، هذا الحديث الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « من رأى من أميره »2 من رأى: من كره، من كره من أميره شيئا، يعني من كره من أميره ورأى شيئا من معصية الله، كره منه من هو مكروه في الدين، ليست الكراهة الشخصية، من كره من أميره شيئا بأن رأى منه شيئا من معصية الله التي يجب أن يكره، ممن كانت، ممن حصلت كائنا من كان، فليصبر عليه: يعني ليصبر على ولايته، وعلى لزوم طاعته « فليصبر عليه ولا ينزعن يدا من طاعة »3 لا ينزع يده من طاعة الإمام ويفارقه، ويعتقد أن لا ولاية له عليه، وأنه لا يجب عليه السمع والطاعة له، فليصبر عليه.
هذا مطلوب، الصبر، يصبر حتى ولو ناله في ذاته بأذى من ضرب أو أخذ مال، فهذا ظلم منه، ظلم، ولكن هذا لا يوجب الخروج، لا يوجب المنازعة، لا يبيح الخروج ولا المنازعة ولا رفض الطاعة بالمعروف، فإنه من فارق الجماعة، فارق الجماعة، جماعة المسلمين، الجماعة المجتمعة على ذلك الوالي، الأمة جماعة، من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية، يموت على حال جاهلية، لأن أهل الجاهلية لا يخضعون، ولا ينقادون، ولا يسمعون، ولا يطيعون، أهل الجاهلية يعني لا يعترفون بقيادة، ولا يجتمعون على إمام وقيادة واحدة تنظم شئونهم، ولهذا كانت حياة العرب في الجاهلية حياة قبلية، يأكل قويهم ضعيفهم، فإنه يقول في الحديث: « فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية »4 فميتته جاهلية: يعني ميتة جاهلية، يعني على حال أهل الجاهلية.
نعم، أعد الحديث.
ولهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « من كره من أميره شيئا فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتته جاهلية »1
فليصبر عليه: يعني بلزوم طاعته بالمعروف، ولا ينازعه، وفي المنازعة خروج عن الاجتماع، وسبب للفرقة والشقاق، وحدوث النزاع في الأمة، وينشأ عن هذا ما ينشأ من الفساد.
والأحاديث في هذا المعنى مستفيضة، ولهذا كان من أصول أهل السنة، من أصولهم وجوب السمع والطاعة للأئمة، أبرارا كانوا أم فجارا، والنصيحة لهم بمحبة الخير لهم وصلاح حالهم، والدعاء لهم بصلاح الحال، وليس هذا إقرارا بفسقهم أو ظلمهم، ولا غضا للنظر عن ذلك، لكن هذا هو الواقع، هذا هو موجب النصيحة، النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، حتى فساق المسلمين ألا تحب لهم صلاح الحال والهداية؟
فهذا أصل من أصول أهل السنة، من أصول منهج أهل السنة والجماعة، السمع والطاعة للأئمة أبرارا كانوا أم فجارا، وترك منازعتهم، وترك الخروج عليهم، والخروج على الأئمة هو من مذهب أهل البدع، كالخوارج والمعتزلة الذين من أصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أصل من أصول الدين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنهم يطوون تحته الخروج على الولاة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فلا يجوز الخروج على الأئمة، يعني الخروج على الأئمة إن كان منافسة على السلطان فهذا شر محض، يعني شر ليس فيه جانب خير، لأنه لم يقصد به الخير، إنما قصد به الوصول إلى الأغراض إلى السلطان، إلى منافع الولاية، ولكن الكلام فيمن يخرج على الإمام بسبب إنكار المنكر، يريد رفع الظلم، يريد تولية من يكون أصلح وما أشبه ذلك، هذا هو الكلام.
فهذا الذي نقول إنه مع ما يدعى من القصد إلى إنكار المنكر ورفع الظلم، فإنه أيضا لا يجوز، لأنه يناقض قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين، وهو حق، ولكن من قواعده ألا يؤدي هذا الإنكار إلى منكر أعظم، فإذا كان المقصود من الإنكار والتغيير هو إزالة المنكر أو تقليل المنكر، فمتى أدى الإنكار إلى منكر أعظم كان الإنكار منكرا، كان الإنكار منكرا، لأنه لا يوصل إلى المقصود، ولا يحقق المصلحة، ولا يدفع المفسدة، بل يزيد الفساد، يزيد المفسدة، وقد بُليت هذه الأمة بهذا النوع من الشر بالخروج على الولاة.
ويقول ابن القيم في بعض كلام له: إن الأمة لم تزل في آثار ذلك وفي شرور من آثار ذلك، يقول إلى الآن، يريد إلى وقته، لم تزل الأمة تعاني من شرور، من آثار هذه النزاعات، النزاعات على السلطة، والخروج على الأئمة، واقرءوا التاريخ، ففيه معتبر، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
1 : البخاري : الفتن (7054) , ومسلم : الإمارة (1849) , وأحمد (1/310) , والدارمي : السير (2519). 2 : البخاري : الفتن (7054) , ومسلم : الإمارة (1849) , وأحمد (1/297) , والدارمي : السير (2519). 3 : البخاري : الفتن (7053) , ومسلم : الإمارة (1849) , وأحمد (1/310) , والدارمي : السير (2519). 4 : البخاري : الفتن (7054) , ومسلم : الإمارة (1849) , وأحمد (1/297) , والدارمي : السير (2519).
| |
| | | | بادروا !سلسلة شرح أحاديث الفتن !!! | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|