ومع شدة الفرح بنصر عظيم وعز للمسلمين، إلا أن الأمة الإسلامية أمة معطاءة إذا تحقق لها نجاح بحثت عن أعلى، وهكذا تكون الأنفس الزكية صاحبة الهمم العلية، روى الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل».
من هنا كان لزاماً علينا أن نبدأ في خطة إعادة بناء مصر من جديد، مصر ما بعد ثورة يناير التي غير بها المصريون وجه التاريخ، وينبغي أن تكون الثورة المجيدة هي شرارة البداية للعودة الحقيقية لمصر الريادة والتاريخ، لتحملها إلى صدارة العالم من جديد، وتقدم نفسها والأمة الإسلامية معها للعالم من خلال مفهوم حضاري جديد يجمع بين النهضة والخلق ومحبة الله .
لذا فهذه نقاط يجب أن يلتفت إليها مصلحو الأمة حتى يتم لنا البناء :
أولاً: الحفاظ على الهوية الإسلامية لمصر: فمصر مسلمة وقد اتفقت جميع طوائف الأمة على هذا المبدأ الشرعي بل والعقلي على وجوب الحفاظ على الهوية الإسلامية لدولة مسلمة الغالبية الساحقة من أهلها مسلمين مما يستلزم عدم المساس بالمادة الثانية من الدستور، وهذا لا يضر شركاء الوطن إطلاقاً فالإسلام هو من أمر المسلم بالبر والقسط لشركاء وطنه وجيرانه من أهل الكتاب، وقد شاهدنا تلاحم شقّي الأمة أثناء الثورة كيف كان يحمي المسلم شركاء وطنه أثناء صلواتهم بالميدان وينبغي أن تظل هذه الروح .
ثانياً: الآن دور التكامل بين جميع طوائف الدعاة إلى الله، فمن ذهب به اجتهاده إلى الجلوس أثناء الثورة خوفاً على غلبة المفاسد نقول له لقد نجحت الثورة فقم الآن وأكمل البناء بتربية الجيل الصاعد على كتاب الله وسنة رسول الله وبتعليم الجيل الحالي ما ينقصه، فلازالت الفرصة سانحة لتقديم الكثير: {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [سورة آل عمران:79].
وعلى كل الحركات والطوائف الإسلامية أن تنبذ الآن أي خلاف فقهي وعلى الجميع التلاحم والتكامل فالأمة في أشد الحاجة اليوم لجهد الجميع، وقد منّ الله على أهل مصر بإعادة الفضائيات الإسلامية التي التفت حولها الجماهير وتعلمت منها الكثير، فيا دعاة الخير، هذه أمتكم وهذه منابركم قد عادت إليكم فأروا الله من أنفسكم خيراً .
ثالثاً : القضاء على الفساد ورؤوسه، وهذا مبدأ عظيم وقانون جليل من مبادئ الشريعة الإسلامية وهو مبدأ التخلية قبل التحلية، وهنا نتقدم بالرجاء للمجلس العسكري الذي يقود مصر في هذه الفترة الحرجة أن يبادر بقطع رؤوس الفساد في شتى المرافق حتى تتطهر مصر ممن أضرّوا بها وتسببوا في تأخرها وظلم شعبها، وقد حظي المجلس العسكري بمحبة واحترام الجماهير فنرجو أن يكمل دوره بنجاح سائلين الله تعالى أن يوفقه لما فيه رضا الله وخير الأمة .
رابعاً : يا شعب مصر كلّ منكم الآن على ثغر فالله الله في ثغوركم وإياكم أن يؤتى الإسلام والدولة من قبلكم، فكل مصري على ثغر الطالب في دراسته والفلاح في أرضه والتاجر في تجارته، والمعلم في مدرسته والطبيب في عيادته والصانع في مصنعه، والعالم في معمله، على كل منا أن يجتهد في حماية مصر بنفسه وأن يبذل في سبيل نمائها وتطورها ما يستطيع، فبِنا إن شاء الله تقوم الحضارة وعلى أكتافنا يتحقق النماء.
خامساً : الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي، والتوجه بالتعليم لما تحتاجه الأمة من مخرجات، فليس من العقل أن تحتاج الأمة لصناع فتخرج منظومتها التعليمية فلاسفة وكتاب، لذا على القائمين أن يعوا أولوية توجيه المنظومة التعليمية بما تحتاجه الأمة من مخرجات، فلو كانت الأمة في حاجة للنمو الصناعي، وجه التعليم أبناءها للجانب الصناعي، ولو كانت تحتاج للزراع كمخرج تعليمي فعلى مخططي المنظومة التعليمية أن يوجهوا التعليم نحو المخرج المطلوب من الزارعين، مع إفساح المجال للنهوض بالبحث العلمي والاختراع، خاصة ما يناسب احتياج الدولة من اختراعات وأبحاث تنهض بها في مجالات الري والنفط والصحة والزراعة والإنتاج الصناعي والنووي .
سادساً : النهوض بأخلاقيات الأمة فقد أشرف على إعلامنا لسنوات من حاولوا تدمير الشباب من خلال الإعلام الفاسد، وسبحان من أذل هؤلاء المفسدين وأجلاهم عن مصر بنفس الجيل الذي حالوا أن يدمروه، فالإعلام موجه خطير للشعب وينبغي أن يخدم أهداف النهضة لا يدمرها .
سابعاً : وهو الجانب المكمل والأساس الهام لضمان اكتمال البناء وهو الاجتماع ونبذ الفرقة والاتحاد ونبذ التشتت وترك أي خلاف جانباً ولنتحد على حب بلدنا، ولنصنع نهضتنا بقلوب بيضاء محبة متآلفة وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه وليجتهد كل منا فيما استرعاه الله من أمانات، {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة آل عمران: 103].
فهذا الوقت ليس وقت أي شقاق أو خلاف وإنما علينا أن نبني مصر من جديد بقلوبنا وليس بأيدينا، بتعاوننا وبسط كفوفنا ورسم ابتسامة ثغورنا وكف أذانا عن إخواننا.
وإن شاء الله ولابد سنرى الخير لمصرنا ولأمتنا لا محالة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .